فراغ ثقافي ومعرفي

عبدالكريم المدي

مقالة


 - 
كان الخلفاء العباسيون وأبرزهم المأمون ت (218هـ) يعطون المترجمين الذين يترجمون علوما وكتبا من لغات أجنبية للغة العربية وزن ما يترجمونه ذهبا.. كما أن فكرة بن
عبدالكريم المدي –

مقالة

كان الخلفاء العباسيون وأبرزهم المأمون ت (218هـ) يعطون المترجمين الذين يترجمون علوما وكتبا من لغات أجنبية للغة العربية وزن ما يترجمونه ذهبا.. كما أن فكرة بناء مراكز ومؤسسات تخدم حركة الترجمة والعلم في ذلك العصر أحد أهم عوامل إزدهار العلوم والمعارف والوعي ووتشجيع الباحثين والدارسين والمترجمين على طلب العلم والإحتكاك بالثقافات الأخرى والإستفادة القصوى منها..وذلك من خلال إنشاء وتأسيس المراكز العلمية ومقرات الترجمة التي تمت فيها الدراسات وعمليات الترجمة وفقا لأسس علمية ومعايير صحيحة تحترم العلم وتقدر ثقافات الحضارات الأخرى وأهمية الإستفادة القصوى منها وإعتبارها كرافد حقيقي للمعرفة ..لم تتوقف جهود العباسين عند ذلك الحد ..فها هو الخليفة هارون الرشيد ت (193هـ) قد بنى صرحا علمية مهمة تختص بحركة الترجمة وقد عد ( بيت الحكمة ) في بغداد الذي بناه الخليفة الرشيد نواة لذلك ومنطلقا للدارسين وللرقي بهذا المجال .. وطوره من بعده الخليفة المأمون حتى أصبح صرحا عملاقة ومركزا هاما للترجمة والنسخ والتأليف والإبداع إضافة لبنائه أي ( الرشيد ) مكتبة كبيرة وعامة للقراءة والمطالعة التي كانت متاحة للقراء والباحثين والمهتمين من عامة الناس دون إستثناء لأحد أو التضييق لأحد من الناس لأي إعتبار ..كما تم – أيضا- تأسيس أول معمل للورق في بغداد في عهد الخليفة هارون الرشيد الذي قدر العلم والمعرفة والثقافة كثيرا ..لقداعتبر الكثير من المؤرخين والمثقفين ما قام به الخلفاء العباسيين في مجال العلم والثقافة والترجمة ثورة معرفية حقيقية ارتقت بالعقل العربي وبنت حضارة عظيمة كان العلم والترجمة وتوفير الكتاب هو عنوانها. لدرجة غدا فيها أمر الحصول على الكتاب ميسرا ومتاحا لمن اراد من الناس.ومن باب الإنصاف يمكن القول إن أول من دفع المترجمين والمهتمين والمثقفين لترجمة العلوم الأجنبية للعربية وخلق واقع معرفي وثقافي جديد والتشجيع عليه هو الأمير الأموي ( خالد بن يزيد بن معاوية ) ت (85هـ) الذي امر بترجمة ماكتب باليونانية والقبطية في مجال الكيمياء للعربية حيث قام بعملية الترجمة تلك في هذا المجال عالم اسمه ( أصفهان ). وعلى الرغم من تواضع ومحدودية عملية الترجمة وهذا التوجه في العصر الأموي إلا انه مثل مقدمة حقيقة وهامة لحركة الترجمة والإهتمام بهذا المجال الهام الذي شهد تطورا هائلا في العصر العباسي ونبوغا كبيرا لعدد غير محدود من المترجمين والكتاب والمؤلفين ..أتذكر أنني قرأت قبل فترة لأحد الكتاب الذي نقل المعلومة بدوره من إحدى مراكز الدراسات البحثية المرموقفة .. حيث يقول ذلك الكاتب: إن ما تترجمه دولة كأسبانيا- مثلا – من اللغات الأجنبية للغتها في العام الواحد يفوق ما ترجمه العرب مجتمعون من لغات أجنبية لللغتهم منذ العصر العباسي حتى اليوم. وفي ظل هذه الحقائق المرة ماذا ننتظر من شعوبنا تقديمه من إبداع ونهوض علمي ومعرفي وإنساني في مضمارالسباق الحضاري اليوم ¿ وسؤال آخر وفي ظل هذا الواقع : من سيستجيب لأحلام الناس وهذه الأجيال في الولوج لمستقبل أفضل من الحاضر الكئيب المظلم ¿ومن بالفعل سيعي الواقع ويدرك أن الوقت قد حان في إخراج شعوبنا من مداراتها التي تحلق فيها والتي تتسم بالفساد ووضع اللاقانون مكان القانون . ووضع دول وأقطار المنطقة في هذه المستنقعات الآسنة.. التي تتسم بالجهل والعصبية والظلم والدفع بالناس بإتجاه إستعادة آلة القتل والدمار والصراع¿متى سندرك جميعا كل في موقعه..متى سندرك ونفكر ونعتبر .. أنه لم يصبح الغرب غربا والشرق شرقا والشمال شمالا متسما بالعلم والتقدم والمعرفة والحرية والديمقراطية والتعليم الراقي إلا بعد أن قدروا المعرفة والثقافة والوعي والتعاييش بعيدا عن اللون والمذهب والعقيدة والمنطقة والقبيلة ..وفرقوا- أيضا – بين الأستراتيجي والعشوائي والعدل والظلم والشراكة والديمقراطية ..واستفادوا من تجارب التاريخ ومن العلوم التجارب المختلفة والجهود المختلفة للمفكرين والكتاب والمثقفين ..وكذا من إرث العرب في بلاد الأندلس الذي مثل منارة إشعاع حضاري أستمرت من (92هـ وحتى 897هـ) .لقد استفادوا من كل ذلك وغيره وبنوا حضارة إنسانية حقيقية ..أما نحن للأسف الشديد لم نأخذ من الماضي إلا أسوأه ومن الحاضرإلا أردأه.. كما أننا لا ننظر للمستقبل بإدراك ووعي وإحترام لأسباب النهوض والتقدم والعلم مفضلين هذا التأخر والتناحر والتفسخ والعبث ..مستمتعين بالعيش في كل هذا الفراغ الثقافي والمعرفي والضياع والجهل والصراعات الطائفية والعرقية والمذهبية والمناطقية التي ما جاء بها من سلطان ..

قد يعجبك ايضا