مرتكزات الخطاب الشعري النسوي الخليجي (العلامات والدلالات).. (الإمارات والبحرين أنموذجا)
علي أحمد عبده قاسم

علي أحمد عبده قاسم –
المبدعة العربية تكسر التابوهات وتنافس الرجل في الجرأة
(4) التوهج والسواد:
إن النص يعكس شيئا من الحزن لتعرى الحياة وموتها واقعا وجسدا “بدأ الخريف مبكرا” لتشير إلى موت الحياة وبداية للجسد بأن يذوي وبذلك يكشف عن اكتشاف للذات الحالمة في واقع مادي طاغ متعر روحي يتمركز في الذات ولذلك يحيل “الخريف” الموت وظهور ذبول الحياة باكرا وتحيل الأوراق المتساقطة للمرأة للحياة وللاستسلام والهزيمة وإلى عدمية الحياة في الواقع إلا في الروح راسخة “قلبي سيظل نظرا دوما” وهذا تحد وبذلك يخلق هوية وكينونة وفاعلية لمقاومة الجدب والموت والتعري والإقبال على الحياة وبذلك “نعدو الجسد بطل النص الشعري والروائي” بوصفه منطلق إبداع الأنثى لأن اليأس عودة للضعف والانهزام.
وإن كان النص الشعري يعرض قضايا المرأة باستفاضة ويحولها عنصر وهوية فاعلة في المجتمع ومؤثرة في الأجيال تقول ما تشاء وتكسر التابوهات لذلك الربيع يختفي كثيرا من النص الشعري للديوانين العنفوان والتجدد للحياة وهو شباب الحياة بوصف النص الشعري يساءل الغياب ويحاكم الجدب ويعرض الإخفاقات ولأن الخريف نهاية فإن الشتاء هو البرود الذي يفتقر للدفء فإن الصيف رمز للتوهج والحرارة والسخونة والتدفق ففي ديوان الفراشة يقول النص:
“تمر كالنار وتترك اسمك
اقترب..
باهت صيف النوارس
معتم وجه النهر
التقاسيم تتلاشى
اقترب…
واهن عمري بعدك”(35).
إن النص الشعري النسوي يبحث عن الدفء والحرارة والاخضرار ويهاجم الجدب العقم الظمأ البرود فالشاي والقهوة معادلان للدفء لذلك تترك المرأة وتتجه للأنيس فهو الدفء. وفي النص يلحظ رمادية الحضور “تمر كالنار” سرعة ورمادية ويعلق الاسم الذي لا كينونة له “باهت صيف النوارس” فالحرارة والإقامة منعدمة باعتبار الصيف ترميز للحرارة والتوهج “و”النوارس” ترميز للبقاء والمواطنة ورفض المغادرة للمكان فالنص يقدم إنسانية الأنثى التي تسرد سيرة الغياب الكلي لكل شيء والذي يفضي إلى الضعف والظلامية وغياب التوهج والألق للحياة “معتم وجه النهر” إنها سيرة حياة لاستمرارية الجدب والقحط وسيرة حياة لامتداد الضعف “واهن عمري” فكانت “اقترب” فيه الالتماس والحزن والتمني الذي يرسم معاناة ومكابدات غياب واحتجاب دائمين وسرد سيرة حياة لديمومة البرود فكان النص يعكس حاجات المرأة “طالما هي في نمو نفسي وذاتي وبدني وجسمي وجسدي متواصل وافتقارها إلى أسس الحياة تبقى مستمرة… مما أفضى إلى أن النص الأنثوي تعبير عن مشاركة المرأة ومزاحمتها في الحياة لتشارك في صناعة مصيرها ومصير من حولها”(36).
ويحاول النص النسوي فتح بابا للسكون المتحرك في زمن المرأة خاصة الليل(37).
فكان الليل والظلام والعتمة علامات سيميائية في الخطاب لهذين الديوانين خاصة والليل رمز المستبد ورمز الوحشة والانفراد وهو أيقونة للاستقرار والراحة بوصف يتمحور حول تبدد الغياب والاستبدال بالحضور لتخرج من الدمية المحطمة إلى إنسانة لها تأثير وفعل ومن وعاء يروي ظمأ الرجل إلى قرين قريب وليس طرف آخر معاد فكان الليل خطاب وعلامة يمكن قراءة الدلالات والإحالات من خلال النصوص التي تلي:
“مع انتشاء الخزامى في ليل
مع انطفاء السراب
بعيدا عن هوى البراري
مع انكسار النجم على خصر الفراشة
ترجل
وانزلق إلى عنق الظلمة
املأ بقسماتك ضريح امرأة
لم تلمس بعد أزهار النار”(38).
لعل مدلول “الليل” في هذا يحيل إلى البرود والتشاؤم والقلق والموت بوصف الوحدة والانفراد نوعا من القهر ويعكس نوعا من التفاعل النفسي والحركي مع الزمان والمكان فالليل يحيل أيضا إلى الاضطراب بحثا عن الثبات والفارس الحلم “ترجل” وتشير الإحالات إلى الخواء الروحي ليعكس البحث في المتخيل الغائب الذي “ترجل املأ” للتمني والالتماس والرجاء “املأ بقسماتك ضريح امرأة” فكأن حضور الحلم الغائب ليلا نوعا من الرحمات التي تحيل الميت إلى بعث وحياة وتجدد وتوهج “لم تلمس بعد أزهار النار” وبذلك تحول الكل إلى زمان ومكان يحوي الفضاء المعتم والمقلق والمضطرب والميت وكأن النص النسوي في الديوانين يتزاحم بكثافة ليلقي الصراع ما بين الحضور للذات والجسد الباعث عن دور وطرف غائب لا يخلق الحلم والتحول..
“في نشوة الليل
هنا
انتحا على أطراف الخطيئة
صوتان في دم التجربة
وراء نعاس الملوك
في منحة الخراب على عزف مختلس
لكما غابات النرد مطرزة بالأنقاض”(39).