»مملكة الفراشة« وعزة المجتمع

–
• في روايته الجديدة”مملكة الفراشة” يضيف الروائي الجزائري واسيني الأعرج إلى رصيده الابداعي المتميز رواية جديدة تبرز مدى مايمتلكه هذا الروائي العربي الكبير من طاقات إبداعية متجددة ومن تجربة مدهشة لروائي رفد المكتبة العربية بالعديد من الاعمال الروائية التي تشكل علامة فارقة وهامة في المنجز الروائي العربي.
وقد حاول واسيني الأعرج في روايته الجديدة الصادرة عن مجلة دبي الثقافية أن يبرز تأثيرات الحروب الأهلية على نفسية وحياة المواطنين موضحا كيف تدفع هذه الأخيرة بالأشخاص إلى العزلة وبناء عالم خاص بهم وكيف يسيطر الخوف على أذهانهم وعقولهم حتى بعد انتهاء هذه الحروب ليبقى بذلك محفورا في مخيلتهم ويصبح جزءا لا يتجزأ من حياتهم وهي التفاصيل التي تعكسها بطلة الرواية التي ترى بأن الموت والقتل لم يتوقفا أبدا لقناعتها أنهما عادا إلى البروز في أشكال أخرى لا تقل خطورة عما كانت عليه.تدور أحداث هذه الرواية حول العالم الافتراضي من خلال قصة حب جمعت بين فتاة جزائرية تعيش العزلة داخل بيتها ومجتمعها وفنان جزائري يقيم في إسبانيا حيث تخلق الفتاة عالما موازيا لعالمها الواقعي بعيدا عن عزلة البيت والمجتمع.
كما يناقش الكاتب ضمنيا وبشكل عميق في هذا العمل قضية العزلة التي يعيشها المجتمع الجزائري خاصة بعد انتهاء العشرية السوداء في الجزائر وما تركته تلك الفترة من تداعيات اجتماعية ونفسية على الجميع من حيث الشعور الدائم بالعزلة والخوف وتفكك العلاقات الاجتماعية.
وتسلط الرواية الضوء على عائلة تنعكس العزلة على أفرادها بأشكال مختلفة رجل يعمل في مخبر صيدلة ويضطر إلى المغادرة بسبب اللعب بالأدوية والمتاجرة بأعضاء المرضى فيتقلص عمله المخبري في بيته بينما الزوجة مدرسة لغة فرنسية تتباعد خوفا من الجريمة ثم تدخل في عالم القراءة لدرجة الالتباس مع أبطال الروايات بينما “البت ياما” وهو اسمها تغرق في الفيس بوك وتنشأ قصة حياة افتراضية فالعزلة قاتلة ومدمرة وتربي أوهاما خطيرة في الناس والنهايات تراجيدية طبعا داخل مدينة منقسمة يفصل بينها جسر هو في النهاية الحافة بين الموت والحياة.
مملكة الفراشة/ لعبة الصورة والظل.
ومماجاء في دراسة مطولة للدكتورة رزان ابراهيم جامعة البترا -عن “مملكة الفراشة”:
“رواية مثل ” مملكة الفراشة” تصلح أنموذجا للقول إن الفن معرفة, وأن لقاء الواحد منا بالفن يوسع من آفاق عالمه الخاص, بل وحتى فهمه لنفسه, لدرجة تسمح له برؤية العالم في ضوء جديد, وكأنه يراه لأول مرة. عالم الروايات والأخيلة, والفيسبوك مثلها مثل أشياء كثيرة اعتدنا عليها في حياتنا, يضعها واسيني الأعرج في نور جديد عندما يضيئها بفنه, ويدفعنا للتفاعل معه على نحو يضع فهمنا لذواتنا وأنفسنا على المحك. والحال أننا لا نعود نحن من يستجوب العمل, بل إن العمل نفسه يستجوبنا ويلقي علينا سؤاله, أي يشغلنا بالمسألة التي شغلته وأتت به إلى الوجود. وهي مسألة لها جمهور يحس بأن نصا كهذا يخاطبه في عالمه الحاضر, فيكون النص معاصرا بسبب موضوع الحديث الذي يوصله نص يخاطبنا بما يشغلنا في عالمنا الحاضر.
تتمحور رواية واسيني الأعرج ” مملكة الفراشة” حول عائلة تقع ضحية ما ينجم عن الحروب الأهلية حتى بعد توقفها أب يعمل في مخبر صيدلية يضطر إلى مغادرتها بسبب لعب بالأدوية ومتاجرة بأعضاء المرضى. ينتهي أمره بالموت قتلا على نحو تراجيدي حزين, يترك أثره البالغ في عائلته. الزوجة معلمة لغة فرنسية, تصيبها الجريمة بحالة من الخذلان تدفعها إلى الجنون والعزلة, بل وإلى الدخول في عالم ملتبس مع روائي ميت. الابنة ياما تعيش حبا افتراضيا عبر الفيسبوك مع كاتب مسرحي مشهور ذي طابع نجومي. الأخ مربي الأحصنة الرشيق يقوده قدره المؤلم نحو عالم المخدرات, وسلسلة من الانهيارات العصبية. لينتهي إنسانا ضائعا بمصير مجهول يبقى قيد التكهنات والاحتمالات. كل هذا يحصل داخل مدينة يفصل بينها جسر هو في النهاية الحافة بين الحياة والموت.
في قراءتي لرواية واسيني الأعرج ” مملكة الفراشة” أجدني مدفوعة لأكثر من سبب إلى استنفار واسع المدى لممارسات خاصة بالمعنى فالنص بما يحمله من بنى رمزية متنوعة يستدعي قراءة تأويلية تدخل فيها تاريخية النص في تاريخية القارئ, لتغدو القراءة على إثرها محض تأويل تنظر في أسلوب المؤلف وبصمته الشخصية, وتقيم الاعتبار لفهمه الشعوري واللاشعوري للعالم. وبذلك يغدو أسلوب المؤلف بالمعنى السارتري أمرا ثقافيا فلكي نعي المعنى التام للنص, لا بد أن نعي نية المؤلف ومقصده. وهو ما يقترب من هدف التأويل حين رآه ” شلايرماخر” إعادة لبناء الخبرة الذهنية لمؤلف النص على نحو نستعيد به ما عايشه المؤلف, فيغدو الفهم آنئذ فن إعادة بناء التفكير الخاص بشخص آخر من خلال تأويل حديثه.
وعبر هذا المضمار يغدو العمل الأد