الخلط بين المعتقدات والحقائق
جمال حسن
جمال حسن –
تجمعنا في ركن إلى طاولة الغداء أشرت إلى اشكالية تيار الاسلام السياسي انه مازال يحوم في خطاب معتم خارج العصر. تحدث السلفي بطريقة دمثة تخلو من ذلك الرنين العدائي الذي اعتدناه من جماعات التيار الديني أو ربما أن البعض منا غارق في أحكام عامة تظهره فقط كشخص عدائي ومتعصب. دعوني إذن أخرج عن أحكامي العامة ككاتب. لأني كمتحدث انساق للانفعال بينما الكتابة تجعلني أتغلب على الكثير من انفعالاتي. فانا أيضا أمثل تصورا عاما لمن ينتمون لتلك التيارات الدينية باعتباري أصولية مناهضة لهم أصولية التقدم أو الحداثة. مع ذلك هل نحن حقا نمثل ذلك التيار الحداثي. على الأقل حتى الآن ما نكتبه مجرد أفكار عامة أي أنه لم يحدث أن أسسنا لقيم فكرية حقيقية تتسق مع مشاكل الواقع العصية. فالكاتب يحلل مشكلة قائمة ويؤسس بنى فكرية تهدم القيم السائدة. ما يحدث في طريقة التفكير العربي أنها مغامرات غير مكتملة تصيبها النكسات والردات. والدليل ان مشروع نهضة محمد علي لم يكتب له التطور والاستمرار.
فحركة التنوير الكلاسيكية العربية التي بدأت مع طه حسين توقفت لسبب أن الإدعاءات الفكرية التي هيمنت على الخطاب الثقافي العربي ارتدت إلى خطاب يتملق الأصولية الدينية. بمعنى أنها حاولت أيضا تملق النجاح الذي اكتسح به الخطاب الاصولي الشارع بدلا من أن تعترف بصعوبة تجاوز الخطاب السائد. كما أن الافكار المتمردة شكلت حالة فقاعية لا تخرج عن حالة استرخاء تتطفل كليا على البنى الفكرية الجاهزة في أوروبا. فالحركة الفكرية التي انتجها العرب ظلت متقوقعة في الأسوار المحلية ولم تخرج لتشكل إضافة ديناميكية للحضارة.
يبدو أني خرجت عن الحوار. وها أنا أبدو مستبقا بأفكاري. هل يعود الأمر لأحكام مسبقة تدور في ذهني ولا تحاول الاستماع لما يقوله ممثلو التيار الذي يستحوذ اليوم على الخطاب العام. اثارت مقولتي “خارج العصر” تهكم أحد ممثلي حزب الاصلاح. ربما بدوت متعاليا ووضعت لنفسي مكانة المرجعية الحداثية. ليس الأمر كذلك. فنحن جميعا جزء من واقع مازال يعيش اربعة قرون وراء الماضي. أي مازلنا نختلق الوقائع بغمامة ما نعتقده حتى في طرحنا لمشاكل العصر في احسن الأحوال نكون متلقفين وحافظين جيدين.
مازلنا نعيش في مرحلة تختلط المعرفة العلمية بالايدلوجيا. فالزنداني يتحدث عن اكتشافه علاج للايدز لينساق معظمنا مصدقين بصرف النظر عن التجربة والقياس. الإيمان بقدرات الزنداني كونه رجل دين يلغي الواقع العلمي. أي لم نعد بحاجة لبراهين أو دلائل. مقولات رجل الدين تهزم فيها المعتقدات الحقائق العلمية. وما يقوله الحوثي بانه يقاتل امريكا واسرائيل لا يسعى بحد ذاته لأن يكون واقعا إنما إيمانا يصيغ به الانصار. فيمكن أن يكون قتل أي مواطن يمني بالنسبة للمؤمنين أتباعه جزء من محاربة أمريكا واسرائيل. فالشعار المعلن للحوثي يصبح هو الحقيقة بصرف النظر عن الوقائع أو النتائج.
ما قلته فعلا في اجتماعنا أن مشكلة الخطاب الديني يحاول أن يصيغ المشكلة السياسية والاجتماعية كمشكلة دينية بينما هي في الواقع دنيوية. مشاكل الناس كونهم فقراء ويفتقرون لطبيعة. وذلك يتعلق بفشل منظومة سياسية واقتصاديه وليس دينية. أي أن الخطاب الديني وهذا توضيح اضيفه أثناء الكتابة مازال يراهن على تحشيد الناس ايدلوجيا وتشكيل قضايا الناس ومشاكلهم في إطار يمكن سلطة الدين لتكون هي الحل الوحيد وهي الغطاء الروحي الكامل لإزالة كل العوارض والمشاكل. وبالتالي تدجين الناس في حوافز خطيرة تعرضنا للانقسام الطائفي بصورة تعتم على هدف آخر تصيغه مصالح فئات معينة. توقعنا في خطاب سياسي معتم كليا برمزية الدين. فيختلط ما هو ديني بما هو سياسي وبما هو اجتماعي بحيث لا يمكننا وسط تلك المعمعة. ان نميز بين ما هو ديني وما هو حق سياسي تضمنه لنا دولة القانون.
كان السلفي يتحدث بدماثة ربما يفتقدها الكثير من أدعياء الحداثة عن الواقع. تساءل لماذا إذن ينجح التيار الاسلامي إذا كان فعلا خارج العصر. هكذا قال لي. وأشار إلى صعودهم في مصر تونس وفي كل المحيط العربي والاسلامي. واستدرك قائلا: اليس ذلك نتيجة لفشل التيار اليساري وأن الاسلاميين هم وحدهم من التصقوا بالمجتمع. واشار للنشاط الخيري الذي قدموه للطبقات الفقيرة. واستمر يسرد الكثير من ذلك.
في الواقع كانت هناك جزئية اتفق معه فيها. لأن الحديث تشعب ولم يعد باستطاعتي ادارته نحو مناقشة تلك التفاصيل. فالجميع يريد أن يدلي برأيه. وأنا لن أظل أمارس عاداتي في الاستيلاء على معظم الوقت متحدثا. فالتيار الاسلامي فعلا