شعرية العنوان في »حطام الوردة«

بشير المصقري

بشير المصقري –
تقاس القدرة الشعورية في مكنون الشاعر بقياس مختلف عن القدرة الشعرية واللغوية وملامسة الحالة الوجودية للكائنات والغوص في أعماق الفكرة التي تركبها المفردات كعتبة أولى تصدم المتلقي وتضعه بين براثن دهشة لا ينفك عنها ولا يتماوج معها سطحيا او مجازيا .
ولأن الشعر دفقات شعورية وملكات حسية ومحاكاة متواربة بين الذهن والحدس من جهة والفضاء المقابل كمرآة تعكس رؤية الشاعر من جهة أخرى وإعادة صياغة هذا الفضاء وهندسة أشيائه وفق وجهة نظر تحدث زوبعة في أصيص القول يأتي الشاعر متقمصا نهارا مشمسا يبعث الدفء والضوء في مدن الكلمات ربما بأقل القليل من العبارات لتصنع أفقا واسعا للمعنى لا ينتهي مع حد من حدود التشبع الاستقرائي وفي مجموعة ” حطام الوردة ” للشاعر الشاب سيف رسام يتكرس هذا المنحى الشعري
وتناولي للعنوان كمادة استقرائية دون الخوض في متون المجموعة ليس مبررا لوقوع المجموعة في يدي وسقوطها إلى يد أخرى قبل أن أقرأها بتمعن وبعد قراءتها قراءة عابرة مما حال دون تكوين رؤية أو انطباع عن المحتوى الشعري في صفحاتها , إنما أخذتني شعرية العنوان إلى مسارب تسكب في نهر باذخ المعاني وفائق الدلالات ومحموم التفكر محمود الأثر جراء شمول العنوان لكافة الملمات التي لا تفتأ أن تصبح رؤى خصبة وموضوعية للكتابة وربما كان الجواب واضحا من عنوانه كما يقال بمعنى أن المتلقي يصطدم بعتبة أولية تغني عن قراءة المتن وقد لاتنوء مفازات القراءة لإنتاج استقراء شامل يحصر اللمحات الفنية والقدرات الشعرية وفورة التجريب مثلما تهديك جملة واحدة إلهاما له جلبة قاموس وأمدا محيطا من المحاور والعناصر الاستقرائية والأفكار بلا تشعب وبدون شتات كما يحدث مع عناوين قد تفوق شعريتها مايحمله المحتوى .
وبالتأمل في جملة العنوان ” حطام الوردة ” يبادر إلى الذهن صورة البلور النمطية وملامح التشظي والتكسير فينشأ لبعد الفني لدلالات العنوان المجازية حيال كائن جميل ومعبر كالوردة التي أحيلت في عنوان المجموعة عن الذبول كمصير ونهاية تتحمل البداهة لكائن نباتي .. والمفارقة أن العنوان يفتح أبصة عميقة أخرى تفتح هي الأخرى ثقوبا في كل بصيص ينفذ منها مخيال كبير ويتنقل بين المعاني الأكثر عمقا وتوغلا ومنها تأويل حطام الوردة إلى الندى وبطريقة سينمائية تكرس السقوط و وتوثق الارتطام بالأرض بعد سقوط حبة الندى من على أكمام الوردة كتلة واحدة لتتبعثر بعد وقع الارتطام مجزأة ومتشظية إلى رذاذات تشي بالحطام فعلا
وتمتد تأويلات عنوان إلى شجون فلسفة الغيب حيث يقبع عاشق في كدر المجهول وعلى ضفاف اللوعة ليحطم وردة وينزع أكمامها وأفنانها في سبيل التكهن بحبها له ويتمثل الحطام بالنزع المتتابع للأكمام ومع كل واحد يردد تحبني .. لا تحبني ..
كما أن الحطام الذي تتبلى به وردة سيف رسام يذكرني على الدوام بومضة شعرية كتبتها ذات نهار من صيف العام 2006م وتقول :
زجاجة العطر فقط
تعرف كيف فقد الورد ذاكرته
وبالتمعن في الومضة والعنوان والتداخل الملحوظ بينها يمكن تكوين معادلة
حطام = زجاجة ………. الوردة = العطر

والناتج غيبوبة / / حطام // ذبول
عظيم التحية للشاعر سيف رسام ولوردته التي قلبت الطاولة على الذبول كنهاية تأخذ وجلا آخر للنهاية في إطار تحول معه التوظيف الشعري في سياق آخر ومختلف عن مضامين استدعاء الوردة المعتاد والمألوف في مدى القصيدة اليمنية الشابة ما تداعى له لدي الكتابة عن شعرية العنوان وكفى .

قد يعجبك ايضا