فؤاد سعيد
عبد الرحمن بجاش

عبد الرحمن بجاش –
بعض الناس مهما ذهب , فلا يبتعد … يظل يسكن أعماق نفسك لا يبرحها , يستوطن الذاكرة , لا يتزحزح أنملة واحدة عن قمة القلب , قل عن قمة العقل أيضا , فهذا النوع من البشر ليس سطحيا إلى درجة أنك لا تراه , بل أنه في حياته يتلبس العقل سلطان زمانه في حياته , وحين تناديه , تؤشر له , عمليا أنت تدعو العقل للحضور , وحين يغادر الدنيا تظل تستحضره كلما أحسست أن مساحة الفعل ينقصها لحظة عقل . ست سنوات من لحظة أن استأذن فؤاد سعيد فارع ذلك النبيل بلا حدود في الانصراف , ذهب جسده , ظلت روحه ترفرف فوق هامات أفعالنا , فقط هو لم يودع , أشجاره , ومنحنيات الطرق , وطير اليب يب , وشقوق الجدران , وسواحل رأته , استقبلت لحظات استرخاء بسمة روحه , وأشجار الحنقص , وطير العقب , وسيل مداحص قرر أن يغيب هو الآخر من يوم أن ودعنا وذهب , كان قلبه قد تعب منا , من سيئاتنا , من ألوان وجوهنا , من نفاقنا , من تعالينا , من مرض العظمة الذي احتل نفوسا كثيرة, فقرر صاحبي الرحيل , تركني عند المنحنى ورحل . حين نمر بجانب الأشجار تسألنا عنك , تبكيك السواقي , وتقرر أن تودع مياهها حزنا عليك , وتطوي ليالي السمر دفوفها , وقيثارات الجمالة, تسال من أين لنا براع ترك بهائمه هناك على الطريق بين الكدرة والبطنة والمداحج وذهب!.
يا فؤاد سعيد لم تركتنا¿, ونحن بأشد الحاجة إلى لحظة من لحظات تجليك تحسسنا أننا لا زلنا بشرا اشك أننا لا زلنا كذلك . يا صاحبي ست سنوات لم نبرح أمكنتنا , عقدنا , صغرنا , هفواتنا , قل غلطاتنا , لا زلنا نبحث عن الطريق الذي ضاع من أقدامنا التائهة, يا صاحبي لا تحزن انك ذهبت فنحن واقفون أين تركتنا , عند ذاك المفترق , لا بحر نركب ولا راحله !! , يا صديقي العزيز انك تركت لنا شهد واخواتها من خلالهن نتلمس وقع أقدامنا , ذلك ما يربطنا بلحظة لا بد أن نبحث في تلابيبها عن بزغة فجر , شهق , فصمت , شهق فضاعت الشمس من طريق فجر كل صباح , يا رفاق الطريق ويا صحاب الحياة أعلن لكم مجددا أننا نحب أنبل الناس فؤاد الذي ذهب لم يذهب أتى لم يأت , لكنه هناك فوق كبة الطير عند منحنى الدمنة يغفو تحت شجرة … لاتيقظوه .. دعوه ينم … فالله شكل الأرض هضابا ومن الأودية وعصافيرها وسواقيها ودندلها وسادة يضع صاحبي خده على كتف وادي الجنات , يمد إحدى يديه إلى الكنين والاهجوم , يحنو على روحي روحه .. نم يا صاحبي عليك سلام الله … وبرودة ماء ساقية المداحج الأعلى إلى المداحج الأسفل.
