أبو قيس.. في جعار
حسين محمد ناصر


حسين محمد ناصر –

لو خيروني العيش في أغلى فندق في أمريكا وخيمة في جولة نادي خنفر بجعار لاخترت أن أعيش معززا مكرما في خيمتي الصغيرة.
> ها هو يعود مرة أخرى إلى جعار مسقط رأسه بعد غربة دامت أكثر من أربعين عاما قضاها في الولايات المتحدة الأمريكية متنقلا من هذه الولاية إلى تلك وأكمل فترة عمل كاملة حصل بموجبها على معاش تقاعدي من إحدى الشركات بعد أن أفنى سنوات عديدة من العمل والمعاناة والبعد عن الوطن والأهل.
> لم يتغير كثيرا حتى الأصدقاء والزملاء الذين عاش معهم سنوات الطفولة والشباب عرفوه وتذكروا وقائع تلك السنين بحلوها ومرها بدءا من “هوش الفتر” وحتى كتابة شعارات الثورة على جدران منازل جعار في ظلام الليل بدافع من الحماس والرغبة في التغيير وقد كانت جدران المنازل الخارجية في عامي ما قبل الاستقلال عبارة عن مجلات حائطية ممتلئة بالشعارات الثورية وأسماء التنظيمات السياسية وخاصة “الجبهة القومية” و”جبهة التحرير” مكتوبة بالألوان الحمراء والسوداء وتشوبها الكثير من الأخطاء لغة وكتابة!!
> غادر صديقي وأخي “عبدالله صالح العلفي” جعار تحت اسم “عبدالله الزيدي” وعاد إليها اليوم باسم كبير وصفة مميزة وحضور لافت في إطار الشعر الشعبي من منكم لم يسمع بالشاعر الشعبي ورائد المساجلات “أبو قيس” ¿!
شاعر هو من كبار شعراء المساجلات حيث لا يكاد يذكر “الخالدي” وغيره من فحول الشعر الشعبي الكبار إلا ويذكر إلى جانبهم “أبو قيس” ويستطيع كل المهتمين بالشعر الشعبي السياسي العثور على قصائد العديدة عبر الانترنت بمجرد كتابة اسمه وسيقفون أمام ما قدمه “أبو قيس” من مساهمات في فن المساجلات الشعرية المشهورة إلى جانب كلمات عديدة قدمها لعدد من الفنانين.
> كتب لي ذات يوم في أواخر أشهر السبعينيات رسالة مليئة بالشوق إلى جعار وناسها الطيبين نشرت بعضا من كلماتها في صحيفة “14 اكتوبر” وكنت قد نسيتها لولا أن ذكرني وصديقي بها أحد ممن التقيته في جعار بالأمس قائلا:
– لا زلت أذكر المقال الذي كتبته عن صديقك المغترب في أمريكا فقد كانت إحدى عناوينه.. “لو خيروني بين العيش في أغلى فنادق أمريكا وبين الجلوس في خيمة واقعة في جولة جعار القريبة من نادي خنفر: لاخترت الأخيرة”!!
هكذا قال. لكنها الظروف التي جعلت 40 عاما تمر اليوم وكأنها مجرد أسابيع بل أشهر على أكثر تقدير.
> كانت جعار الأمس غير جعار اليوم!! كان هناك ضروط وأحمد مقراط وبركة العمياء والوزف ومشغل سينما العاقل محسن حسن – الله يرحمه – وعلي بن علي والهمداني وأصحاب اللحم بلكم وبوشنب وعلي محسن!! وكانت هناك من المقاهي وأصحابها الكثير من لا يزالون في ذاكرة شباب جعار الذين أضحوا اليوم شيوخا كانت هنا مقهى علان وعلي سعيد وأمين وعلي وحمود عبدالله وصالح وعبدالله حسين وبائع العصيد الشهير “الزيدي” وبن دائل واللاصي!
وها هو عبدالله يبحث عن معصرة “بكران” والقصائد التي كان يؤجرها الإبي ومكرد وصيدلية محمد عمر ومخبازة صالح الحاج والد زميلنا أحمد “الله يذكره بالخير”: كما يبحث عن حديقة الأسد الذي يخرج من فمه الماء قبل أن تتحول إلى مبنى للسنترال.. كان يبحث عن جعار القديمة فلم يجد إلا مدينة متغيرة بعاداتها وتقاليدها وشبابها وبيوتها وعلاقاتها الاجتماعية كل شخص فيها لم يعد مهتما إلا بنفسه وأسرته لقد غيرته الظروف فدفن الكثير مما كان يتميز به أناس كبار عاشوا فيها مثل محمد ومحمود بن عيدروس والعاقل محسن حسن وحيدره منصور وآل الخريبي وشعتل وآل الجفري والمنصب ومحمد إبراهيم والسبنوق وصالح ضيف وعبدالرب صالح وحمود زين وعلي عاطف والشعملي وآل اليزيدي وحيدرة أبو بكر ومحمد الخاملة والصاعدي والسيد علي ونعمان وسعيد طالب وعلي صالح الوالي وسعيد سنان وصالح النينوة ومنصور جميع والجابري ومليكان وزيد سليمان وصالح الصلاحي وفضل محسن وغيرهم ممن كتبوا اسماءهم في سجل خالدي سكان جعار!! واعتذر لعدم إيراد أسماء كثيرة شكلت علامات مضيئة في سماء جعار وآمل تذكرهم في موضوع قادم.
> زار صديقي “جعار” وغادرها وهو يؤكد أنها ستكون المدينة التي ستحتضن بقية حياته وسني شباب أولاده القادمة¿ .. وقديما قالوا “من شرب من ماء – بوشمله – سيعود إليه ثانية”.. وها قد عاد “أبو قيس” ثانية!! ولكن عودة الغريب المغبون الذي يبحث عن رسم وأطلال لاوجود ل
