أوهام الحروب والثروة
جمال حسن


جمال حسن –

حتى اليوم لا تبدو الافكار قادرة على استنتاج دقيق لأسباب قيام الدول وانحطاطها. بعض الدول تموت منذ ولادتها. غير أن كثيرا من الامبراطوريات عندما تصل اقصى درجات قوتها تبدأ عوامل الانحدار. البعض تتآكل متسارعة وأخرى تنحسر سريعا. في البداية تعتمد على حكام أقوياء وساسة دهاة لديهم من الصلابة والصبر والحزم ما يساعد على تصاعد قوتها. لكن بعد ذلك هي بحاجة لشرائع تطيل من عمرها. فالازدهار مع الوقت يولد مجتمع الوفرة حيث تحل قيم الترف وتتسرب الميوعة والتراخي مع نعومة العيش ثم ذلك التفاوت الطبقي الذي يولد انقسام مجتمعي.
غير أن هذا الانقسام الطبقي تجنبت الرأسمالية الجديدة أن يتطور تذمره إلى احتجاج واحتجاجه إلى ثورة عبر منح المجتمع حريات واسعة. كما أن الترف الذي تعيشه المجتمعات الغربية لم يزل حتى اليوم لم يصبها بالوهن لعدة أسباب منها على سبيل المثل ثقافة انتاجية كرست الرخاء بأهمية العمل. أي أن دولة الجباية الرأسمالية تشترط رخاءها بنشاط انتاجي يجنبها آلة الكسل. بينما على العكس من ذلك تعيش دول معتمدة على النفط والغاز تراخي التبطل أي أنها تضمحل دون أن تعرف الصعود الحضاري.
لم تدم أسبانيا كامبراطورية كما استمرت الانجليز. اعتمد الأسبان على الذهب القادم من مستعمراتها الأميركية بينما اعتمد الانجليز على تشريعات جديدة في الاقتصاد والسياسة. يثار أن الانجليز هم أكثر الشعوب التي ورثت عن روما تقاليدها العريقة في الشرائع والسياسة. كانت الامبراطوريات القديمة تنعم بالثروة من جباية مستعمراتها الحروب شرط لا يقل عن التجارة في الازدهار.
أما اليوم فالامبريالية تتكدس فيها الثروة عبر حركة السلع. الصراع يفرض على القوى إنتاج أسواق. وإذا استشعرت أميركا كقوة أولى للعالم بمنافس خطر استباحت لنفسها السيطرة على منابع الطاقة. الحروب شرط تختلقها القوى أيضا لتكبيل قوى حليفة تراها منافسة. كما أن اختلاق الحروب حتى لو كانت وهمية احد شروط القوى الكبيرة كي لا يدب التراخي على صناعتها العسكرية واستعداداتها. عليها أبدا أن تحافظ على حالة التعبئة العسكرية. الحقائق لا تدوم. ما يكون حقيقة في عصر ما لا يكون كذلك في عصر آخر. هذا ما نراه في الحركات الراديكالية تصور لنفسها عدو هائل. دولة ولاية الفقيه في ايران لا يمكن تخيلها بدون ما تسميه الشيطان الأكبر. إنها ملهاة البشر العظمى. بعد سقوط الاتحاد السوفيتي أو على مشارف سقوطه تحدث الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون في كتابه (نصر بلا حرب) أن على أميركا اختراع عدو بعد سقوط الاتحاد السوفيتي ورأى أن الإسلام هو العدو الذي يجب اختراعه. كانت الثورة الإيرانية والجهاد الأفغاني حدثان يبشران بهذا الهاجس. فقبل أن تقبر أميركا عدوها الرئيسي ارادت تبرير حالة التسلح الدائم لجيوشها. لكن ذلك يقتضي منها تدخلات عسكرية مستمرة. تواجد لا يقل عن شكل الفتوحات الاستعمارية. حتى الخطر الكوري الشمالي بالنسبة لها هو نوع من حافز عسكري وإن لن يتطور الأمر إلى تصادم مباشر.
السلاح النووي يحتم على القوى الكبرى نوع العدو الذي نختاره لمواجهة وعدو آخر نحاول تجنبه. صراع يستمد طاقته من عنوان الحرب الباردة. تقويض بالعزل والحصار الاقتصادي وربما الاحتواء في لحظات مناسبة.
ساعدت الحروب أوروبا على تطوير شرائعها. بعد الحرب العالمية الثانية لم تكن الكلفة محتملة حتى بالنسبة للمنتصرين. وحدها أميركا استفادت من ذلك. حتى روسيا التي خرجت كامبراطورية جديدة دفعت الكلفة الأكبر بالنسبة لعدد القتلى مع ذلك بهرجة أن تكون احد قوتين عظميين للعالم خلق لها إرادة الحرب. مازالت تعيش روسيا حتى اليوم فكرة أنها ترث بيزنطة. بينما ترث أميركا روما. لكن معادلة الحروب الأخيرة اقنعت القوى أن تنتج حروبها في دوائر مأمونة. تضخيم أعداء شاحبين وفي الوقت نفسه انتاج طرق للتعامل مع تهديد قوى كبيرة..
الأمر الأكثر قيمة بالنسبة للغرب إضافة للتعليم هو عدم تهاونه بالقانون. وعي المجتمع الحازم بأهميته وأن رخاءه مرتبط بشرائع تكفل حرياته وتصون مواطنته. وليس ما يقتضيه حكم الهوى بالنسبة للأنظمة المستبدة. بعض الدول غير الديمقراطية كالصين لا تتهاون بالقانون لا تعبث به لذا تعيش حالة صعود مستمر.
مع ذلك فالقيم الانتاجية الصناعية تضع البشرية أمام عدة تحديات. الانسان مهدد حضاريا نتيجة تلك القسوة. قيم السوق تنتج اساليب خلق نقود وهمية. سندات تراكم اموال مختلقة. هناك ايضا دورات اقتصادية هائلة ربما في
