محرقة ساحة الحرية والقصاص المنتظر

أ.د. عبد الله الذيفاني

 - محرقة تعز أراد بها الباطل إحراق الحق وإزهاق قوته وتحويله إلى رماد لكنها في الواقع ارتدت على الباطل فحولته إلى رماد وأنتجت بدلا عن الساحة ساحات وأرتفع ب
أ.د. عبد الله الذيفاني –
محرقة تعز أراد بها الباطل إحراق الحق وإزهاق قوته وتحويله إلى رماد لكنها في الواقع ارتدت على الباطل فحولته إلى رماد وأنتجت بدلا عن الساحة ساحات وأرتفع بسببها بدلا عن الصوت ألف صوت وصار الحق أكثر وضوحا وأكثر جلاء وأكثر هيمنة وانتصارا وأضحى الباطل زاهقا يتوارى من سوء فعلته وراء الرماد يحاول الإثارة وخلط الأوراق واختلاق الذرائع واصطناع ما يعتقد أنه قد يحجب حقيقة هي أوضح من رابعة النهار..
إن محرقة ساحة الحرية 29-30/5/2011م شكلت علامة فارقة في مسيرة المعركة القائمة بين الحق والباطل وأظهرت إلى أي مدى الباطل موغلا في غيه وإثمه وبشاعته وأبانت بما لا يدع مجالا للشك أن الدم اليمني الطاهر لا يمثل شيئا بالنسبة للباطل وأهله وأن كل إدعاءاتهم وخطبهم وشعاراتهم لا تعدو عن كونها أباطيل تحاول حجب الشمس وستر الضوء وهو أمر مستحيل فالثورة حقيقة ساطعة والتغيير أمر لابد منه وأن الدم الذي سفك على أرض ساحة الحرية وخارجها دم غذى شجرة الحرية وأروى أغصانها ومدها بقوة البقاء والاستمرار وجعل منها شجرة وارفة الظلال تحمي القيم وتؤصل لمقاومة فاعلة تواجه الظلم والطغيان وتؤسس لمرحلة الفعل الثوري الذي لابد وأن يثمر في المحصلة الدولة المدنية الحديثة ليمن جديد ناهض ومؤسسي يؤمن بالمواطنة المتساوية والشراكة الوطنية ويوفر لها أسباب الحياة والتفاعل والممارسة ويحمي أدواتها ويحفظ الحقوق ويصون الحريات.
إن دماء الشهداء والجرحى التي سكبت واشتعلت في محرقة تعز لن تضيع ولن تكون إلا مشاعل للضوء تنير الطريق نحو التغيير ولا يمكن أن تكون إلا زيتا ووقودا لحركة التغيير وبناء الدولة..
وعلى الذين قتلوا وأحرقوا أن يعلموا أن هذه الدماء لن تذهب هدرا ولن يفلتوا من العقاب في الدنيا والآخرة.. وعليهم أن لا يركنوا لحصانة مهما كانت تسوياتها لأن الدماء لا تبرئ إلا بقصاص أو بعفو من أولياء الدم.. وساعة العدل والحق والإنصاف قادمة وحتمية في مسار جولات الصراع بين الحق والباطل فالسنة الربانية ومن ثم حقائق التاريخ تؤكد على نحو قطعي أن جولة الحق هي الحاسمة وأن الباطل زاهق يدفعه الحق ويطمس وجوده ويقتلع آثاره…
أقول للقتلة والمجرمين الآثمين الذين امتدت أيديهم بغدر ونذالة وجبانة بأسلحتهم الثقيلة والمتوسطة والخفيفة لتقتل أحرارا سلميين لا يملكون أسلحة نارية وكل ما يملكون صدورا عارية وإرادات قوية مؤمنة بالتغيير وبالانعتاق من الاستبداد والظلم والطغيان أن فعلتهم لا يمكن أن ينساها الثوار ويتجاوزها القانون ولن يغفلها التاريخ فهي وصمة عار في جبين كل من أشار وخطط ونفذ وحمى ونحن على يقين أن تلك الدماء تلاحقهم في صحوهم ومنامهم تجثم على صدورهم تضيق عليهم سبل حياتهم وتقلق سكوتهم وتبدد أوقاتهم في شرود وخوف وتأمل لأنهم أجرموا والمجرم مهزوم ولو حقق غايته لأن تحقيق غايته تأت على حساب الدم والأمن والاستقرار ومن ثم يعد فعله الإجرامي سقوطا قيميا بكل المعاني والدلالات..
والمحزن والمؤسف أن البعض يقول أن المحرقة مبالغ فيها وأنه لم تحدث إصابات ولا قتلى وأن ما حدث كان حريقا بفعل الثوار أنفسهم.. ومثل هذا القول يعبر عن سقوط أخلاقي وأنفس تغلغل فيها الشر واستطار شره ليحرق حتى المشاعر الإنسانية ويضع على العيون غشاوة وعلى الأذان وقرا وعلى القلوب أكنة فأصحاب هذا القول لا يبصرون ولا يمعنون النظر بتلك المشاهد الإجرامية والمدعمة بصور الجنود المدججين بالسلاح وأولئك المدنيين الذين ساندوهم وكانوا يطلقون على الساحة وابلا من رصاصات غدرهم وكأنهم لا يواجهون بشرا عزل من السلاح بل يواجهون جيشا مدعما بكل أنواع الأسلحة إن أصحاب هذا القول لم يسمعوا أصوات المدافع وهدير المعدلات وبالمقابل صرخات الشباب التي ناشدت ضمائر ميتة وقلوبا غلف … أن أصحاب هذا القول لم يشعروا بالألم والأحرار يرتقون إلى بارئهم شهداء وآخرون تصيبهم رصاصات فيقعون جرحى ودماء هؤلاء وأولئك تنزف على الأرض فتغذي ساحة الحرية بعبق الطهارة ونبل الشهادة وكرم التضحية..
نعم أنهم لا يملكون مشاعر إنسانية رغم ما تعرضه القنوات من صور ومشاهد تتفطر منها الجبال وتنخلع القلوب من الصدور من وقعها وهذه هي المأساة الكبرى والتي تدفعنا إلى القول أن التغيير الذي ننشده هو تغيير يستهدف إعادة إعمار القلوب بالإيمان والمشاعر الإنسانية والعقول بالوعي والإحساس بالمواطنة ومعهما يحدث تغيير في البيئة الحاضنة ويعاد بنيانها بالأمن والاستقرار والسلام الاجتماعي…
إننا بكل يقين ننتظر أن نرى القتلة والآثمين المتور

قد يعجبك ايضا