المرحلة وأدواتها
باسم الشعبي


باسم الشعبي –

تتجه الثورات صوب الأنظمة المستبدة لإسقاطها وإسقاط مؤسسات الاستبداد التي يمارس من خلالها وظيفة الظلم والقهر والاستعباد وتعمل على بناء معادلة جديدة هي معادلة المجتمع من خلال المبادرات الشعبية المدنية التي تستقيم في مختلف المجالات الحياتية لتوجد مؤسسات مجتمعية خاصة بالحفاظ على تماسك المجتمع وقوته في وجه الفوضى التي يسعى إليها الاستبداد وأنظمته المتساقطة لنشر المخاوف وإعاقة عملية التغيير ومسار الثورة.
هذه ما فعله شباب الثورة حينما أصدروا (المبادرة الشعبية المدنية) مع بداية انطلاق الثورة الشبابية الشعبية كحاجة ضرورية للحفاظ على الفعل الثوري والتأسيس لمؤسسات المجتمع المدنية كالمجالس الانتقالية والأهلية.. والمؤسسات الأمنية المجتمعية كاللجان الشعبية التي أضحت بمثابة تجربة عربية فريدة الآن نراها ونسمع عنها في مصر والعراق وسوريا يؤسسها الثوار للحفاظ على الأمن العام أثناء توجههم لهدم وإسقاط الأنظمة وخلال المراحل الانتقالية تبقى فاعلة لتغطية الفراغ الذي يتركه عدم التوازن والاستعداد التام لدى مؤسسات الدولة التي تظل بحاجة لوقت طويل حتى تستعيد عافيتها وتحسن شروط عملها وفقا لحاجة المرحلة الثورية الجديدة.
الدعوة التي أطلقها شباب الثورة بضرورة تشكيل المبادرات المدنية والمجتمعية لقيت صدى واسعا إذ انخرط عدد كبير من الشباب لتأسيس مبادرات شعبية ومجتمعية مختلفة في محاولة لتأدية وظيفة (خدمة المجتمع) ولمساعدة مؤسسات الدولة في عملية تكاملية لم تنتبه لها النخب لتدرك معنى أن الثورة لا تهدم الظلم فحسب بل تبني المجتمع أيضا.
صحيح أن الثورات لم تكتمل…لكننا لا نستطيع أن ننكر أنها من دون فلسفة عميقة جدا تجذر الوعي لدى الجماهير بأهمية بناء المجتمع بموازاة بناء مؤسسات الدولة وبالتالي يحدث التقارب والتكامل وتنشئ عن ذلك مؤسسات مجتمعية فاعلة ومؤثرة في مسار وأد الحكومة ومؤسساتها وكذا الفعل السياسي ومن هنا يكون نهوض المجتمع وتنهض بذلك الأمة.
تقع على الحكومة الآن إعادة قراءة الفعل الشبابي سواء من خلال (المبادرة الشعبية المدنية) وأهدافها أو من خلال المؤسسات المجتمعية التي نشأت أثناء الثورة فهي ليست مجرد كيانات كما ينظر إليها السياسيون لرفع حصتهم في المحاصصة الحزبية…بل هي مؤسسات مجتمعية أنشئت وفقا لحاجة هامة وملحة في مرحلة كان المجتمع بحاجة لمن يسنده ويقف بجانبه حينما عجزت وظيفة الدولة عن القيام بدورها على أكمل وجه أثناء الفعل الثوري.
إنها فلسفة عميقة لبناء المجتمع والدولة وتحقيق مشروع النهضة بإشراك الجماهير.
وما من شك أن الحوار الوطني هو دعوة ومطلب شبابي فمنذ بزوغ فجر الثورة الشبابية والشباب يتحدثون عن أهمية الحوار باعتباره محصلة طبيعية لجلوس كل قوى الثورة الممتدة شمالا وجنوبا شرقا وغربا على طاولة واحدة لرسم مستقبل يمن جديد يلبي التطلعات الثورية والمستقبلية لكل اليمنيين وهو بحد ذاته كان مبادرة ما لبثت عن تحول إلى فعل سياسي ووطني كبير يفترض أن يخلص في المحصلة النهائية إلى شكل ومضمون الدولة اليمنية الجديدةمع أن الشكل والمضمون للدولة سيكونا بحاجة إلى روافع وأعمدة تحملهم على التحقق في الواقع وهاتان الرافعتان هما المجتمع ومؤسسات الدولة فمن دون بناء حقيقي لمؤسسات المجتمع والدولة لن نحصل على ثمرة حقيقية لمشروع الدولة لأن الشكل والمضمون للدولة سيظلان كسيحان من دون إطارات أو عجلات تحملهم على السير قدما.
ولئن كنت قد تمنيت أن يتم حلحلت القضايا المجتمعية والوطنية قبل الحوار كحل العشرين النقطة المتعلقة بالمظالم في عدن والمحافظات الجنوبية وكذا توحيد الجيش تحت قيادة واحدة تمهيدا للهيكلة إلا أني سأظل مؤمنا بإمكانية إيجاد حلول لذلك خلال الفترة القائمة ولأني فالحوار عمره ستة أشهر وهي فترة طويلة جدا وحل مثل هذه القضايا لا يحتاج سواء لقرارات جريئة بعيدا عن عمل اللجان ووقت قصير لإنفاذ تلك القرارات على الواقع فجميعنا مسئولون على اليمن سواء من كانوا في الحوار أو من كانوا خارجه وكلنا بحاجة إلى مبادرة شعبية جديدة نضغط من خلالها من أجل الوصول إلى يمن المستقبلفالثورة ما تزال قائمة وبدء الحوار لا يعني انتهاء الثورةفالمرحلة معقدة وبحاجة لأدوات جديدة ومؤهلة وعمل دؤوب وضغط مستمر من أجل منع إعادة إنتاج القديم والعمل على إنتاج الجديد.
b.shabi10@gmail.com
