جدلية الأمس وافتراضات اليوم

بشير المصقري

بشير المصقري –

لا يتوجب على الكاتب أو المنظر أو الباحث أو المثقف والأديب في شأن من الشئون إذا ماطلب منه إبداء رأي أو المشاركة بطرح وجهة نظره تحميل الموقف تبعات أكثر من الحقيقة أو القفز فوق الواقع لهذه القضية سيما إذا ماكان المطلوب قوله يخص قضية مصيرية لشعب وتتعلق بمستقبل وطن وهوية بلد كقضية الوحدة اليمنية المباركة التي أستغل اطلالتها الثالثة والعشرين لتوضيح بعض المفاهيم التي اختلطت على الأدباء والمثقفين اليوم ولم يعد لهم الدور المعول عليه تجاه تاريخ يوجزه مأثر وطني كبير وخالد كالوحدة وسأعمل جاهدا في هذا الرصد على استجلاب مقارنة بين المثقف والأديب اليمني الذي ناضل وتحمل الصعاب والمشقات النفسية والفكرية والبدنية لإحلال واقع جديد بدءا بيوم 22 مايو 1990م وبين مثقف وأديب اليوم والخواء الذي تموضع فيه متقاعسا في تأصيل وترسيخ ثقافة الوحدة .
وأجزم أن الفارق قد اتضح بجلاء بين الرعيلين والجيلين باعتبار أن مثقفي الأمس من زمن ماقبل الوحدة قد غادر معظمهم الحياة ان لم نقل كلهم تاركين دور الحفاظ عليها للأسف الشديد لمثقفي اليوم وأدباء الحاضر بعد ذلك الدور التاريخي والأسطوري الذي لعبوه والمثل التي قدموها لتحقيق الوحدة سواء للدور الشخصي فكرا وأدبا وسلوكا أو في إطار جماعي كتأسيس كيان أدبي مثل اتحاد الأدباء وللأسف أستطيع القول أن المقارنة ظالمة لأدباء الرعيل الأول فالمقارنة بين أديب خاض غمار المعاناة بقلبه ودمه وعقله آنذاك كالبردوني والجاوي وجار الله عمر ولطفي جعفر أمان ويوسف الشحاري والآخرين حتى شهدوا الحدث التاريخي والعظيم وبالتالي ابتسموا ابتسامة الانتصار الأخير تبدوالمقارنة بينهم وبين أديب ومثقف اليوم الذي يقف على عتبه التشظي والتشرذم بصمت مطبق وبلا دور ويكفي أن نتأمل خطين الأول خط البردوني ورفاقه وخط من أتى اليوم ليعلن الفرقة والأنقسام تحت إطار رجعي يسمى ” اتحاد ادباء الجنوب العربي ” ولكي تكتمل الفكرة ويستوي مضمون الطرح أقول أن مسببات ذلك تأسيس كيان ليس له مستقبل هو تراجع دورهم الثقافي وأدائهم التنويري امام العوام قبل نشوء هذه المشاكل وعدم إخلاصهم للمناط بهم كمثقفين والتنبيه إلى هذه المخاطر السياسية والأجتماعية والثقافية فوجدوا أنفسهم خارج اللحظة الوطنية الشماء والحالة الثقافية العصماء وتفاقمت الحالة لاعتسافهم وعزوفهم عن توظيف نتاجاتهم ورؤاهم التوعوية في مجتمعاتهم التي تخللتها الاحتقانات والغليان والتذمر على مرأى ومسمع منهم فكان ردهم العاجز المتمثل بالدعوات إلى التشظي والإنفصال مستمرءا من عجزهم عن القيام بالمهام الثقافية المناطة بهم ودورهم في تصحيح وتنقيح دواعي تلك التوجهات التي تراكمت عند البعض على عكس توجهات البردوني والجاوي وتحملهم لتلك الأعباء الوطنية التي تلاشت لهمم الإخلاص وقد أبدوها لقضايا الوطن والذي ينبع من إيمانهم بفكرة ثقافية مفادها أن دور المثقفين والأدباء يأتي في تاريخ الأمم والشعوب قبل دور السياسي والعسكري وغيرهم آخذين على عاتقهم عدم الإرتهان للأيدلوجية ومقايضة الكهنوتية بمصالح شخصية آنية , سرعان ماتزول .
يجب التنبيه إلى أن دور المثقفين والأدباء في السابق كان محاطا بواقع مرير وموانع تشبه المستحيل مايجعل المرء يضحك بأسى وحرقة لموقف مثقف اليوم وأديب اللحظة ودوره المتملص عن عواهن الضمير والإستحثاث المفقود الذي لا يصل إلى واحد بالمائة من جهود أدباء الرعيل الأول تجاه الوحدة .. فماذا لو كان على عاتق هؤلاء مهمة تحقيق الوحدة ولم تكن المسألة تتعلق بإكمال دور أولئك العظماء عبر إفشاء ثقافة الوحدة , وإذا بنا نجد العكس على خلفية دور مثقف اليوم .
ولأنني أرجو أن لايؤخذ كلامي بعمومية فجة أعود وأقول بالفعل هناك أدباء ومثقفون لا يتلبسهم النزق المحموم لأدباء على شاكلة الشرذمة تلك فهم يحملون هم الوحدة بين جنبات قلوبهم , إلا أن تشابه البقر واختفاء العون اللوجستي لهم من قبل السلطة والنخب الاخرى توهتهم في دهاليز قضايا استلاب سياسي غيب الأولويات الوطنية لحساب الفئة والحزب والتيار والجماعة ما أدى إلى تعالي الأصوات النشاز ضد الوحدة نتيجة بعض المظالم التي وقعت والجرم أن هذا المثقف تخلى عن تفسير وشرح تفاصيل هذا الظلم وتداعياته فغاب دوره تماما عن الذود عن الوحدة.
ولم يفقه أنه لم يكن مطلوبا منه حمل البندقية ودخول المتارس ولنا مثل في جارالله عمر والشحاري وعبدالرحمن إبراهيم والبقية الذين ناضلوا في سبيل قضية تكمن قداستها بالكلمة الصادقة ضد الكراهية والعنصرية والعصبوية التباغض وتدنيس الحياة بافعال الشياطين .
إن المثقفين الذين لا يفقهون دورهم تجاه أنفسهم قبل وطنهم هم الداء الذي استفحل وأصاب مفاصل الثقافة كرافد إنساني أولا لتقويم الذات وفهم المحيط في ضوء الفعل الثقافي الخالص لوجه ثقافة تنمي الشعور بمعاني ودلالات تغلب مصلحة الوطن والشعب دون علمهم أن هذه المصلحة تصب أساسا ف

قد يعجبك ايضا