أقبل الليل!

عبد الرحمن بجاش

 - حكايتي مثل ذلك الرجل في مدينة تعز أيام ما قبل العام 62م, فقد اختار لسبب ما أن يظل حبيس البيت, لا يخرج منه أبدا, قيل أن حكايته وصلت إلى احد الحكام المشهود لهم بالحكمة, فقال لمن أخبره : سأخرجه أنا وغدا سترونه مش يمشي بل
عبد الرحمن بجاش –
حكايتي مثل ذلك الرجل في مدينة تعز أيام ما قبل العام 62م, فقد اختار لسبب ما أن يظل حبيس البيت, لا يخرج منه أبدا, قيل أن حكايته وصلت إلى احد الحكام المشهود لهم بالحكمة, فقال لمن أخبره : سأخرجه أنا وغدا سترونه مش يمشي بل يجري .. ولم يكذب خبرا فقد أرسل أحد جنوده ينقل رسالة شفوية: يلزمك الحاكم بالبقاء في البيت ومحرم عليك الخروج! – كيف¿ – الحاكم حكم عليك بذلك, فحمل عصاه ولبس ما وجد أمامه وخرج يجري , أهله يسألونه – مالك وأين ستذهب¿ – شأسير أشتكي الحاكم لا عند الإمام وأوري أبوه هذا ظلم!.
حكايتي أنا ربما شبيهة بحكاية ذلك الرجل .. ففي مرحلة زمنيه كنت أرتاح كلما طفيت الكهرباء , فإذا كنت في البيت اجلس في الظلمة على ضوء شمعة , أو شعاع للقمر يتسلل خلسة إلى وجهي المكدود فأحوله إلى نور يشع في قلبي وروحي , أشكر معه من أطفأها , وأدرك الأولاد سري , كنت أصل إلى المنزل والتيار غائب فأجد الأولاد يصيحون بصوت واحد : الكهرباء طفيت فابتسم , لكن حين غادر التيار ابتداء من ليلة اندلاع حرب 94م المشؤومة والتي نعاني آثارها إلى اللحظة, فقد صرت أكره الاطفاءات الإجبارية وألعن الحظ الذي قذف بنا على الخارطة الخطأ !, أتمنى كلما غادر التيار أنني من الصومال الغربية مثل صديقي وزميلي نعمان قائد سيف الذي يشاركني ما أتمنى .
بالأمس واجهت التحدي بتحد من نوع آخر …. هممت بالجلوس إلى الشاشة لأتابع أخبار تركيا وهل شرب أردوجان من نفس الكأس الذي يجرعه للآخرين فخذلتني الكهرباء , لكنني انتصرت عليها , فقد هربت بقرفي إلى سيدة الكلمة , واللحن , والصوت , من غيرها أم كلثوم .. ولا أدري كيف قدر لجهاز تليفوني أن يكون محتفظا بألف ليلة وليلة .. يا الله … يا الله …فحين ترسل عذب صوتها .. يا حبيبي .. وتكرر .. ياحبيبي أتحول أنا إلى أذنين وعينين وحواس من قدمي إلى رأسي أسمع وأسمع , الأحق الصوت العظيم في أزقة قريتي , من باب دار إلى دار , من الهيجة إلى وادي الجنات إلى وادي الأهجوم , أمر بها , تمر بي إلى وادي الأحكوم , وادي صبن ¿, ارتفع معها إلى قمة الزبيرة, من هناك اذهب مع شعاع القمر إلى الأعبوس حيث أنت يا أيوب , الحق النغمة في هدأة الليل تحيله إلى مهرجان من الأضواء , والألوان , وحفيف الزرع , وأصوات تأتي من هناك من رأس الموكب ترنو إلى أضواء عدن … يا الله حين ترتفع بإحساس المحب العاشق تطلب من الشمس ألا تأتي إلا بعد سنة , فالحبيبين يسكنان تلك اللحظة عيون الليل , وأنا أردد : يا رب لا تعود الكهرباء إلا بعد سنة أيضا , تمسكت بحبل الحب الذي بشرت به السيدة (الله محبة) (الكون محبة) أما حين تصل إلى مبتدأ المبتدأ والخبر (يا رب) فلم أسمع في حياتي لحنا أجمل ولا أعمق ولا أروع مثلها تردد في خشوع ( يا رب … ويا رب …. ) ويتهدج صوتها يعلو ينخفض يذهب يعود ( يا رب ) وأنا يتسلل الصوت النغم إلى كل كياني فأردد معها (يا رب) وتعود إلى …. واثنين زينا عاشقين … فأذهب معها بعيدا بعيدا .. وأقولها أن صوت السيدة سيظل ألف سنة كأنه أرسل من حنجرتها بالأمس … كانت ليلتي ليلة من ألف ليلة .. ونداء إلى الرب (يا رب) ترسله أم كلثوم العظيمة في أجمل ليلة هزمت فيها الكهرباء ألف مرة … حتى إذا عادت كان التصفيق وهو جزء مكمل للحن والنغمة والصوت يلملم أوراقه ..تلملم ليلتها أجمل ليلة من ألف ليلة .. وأنا أخرج لساني في وجه الكهرباء أتحداها : كلما تذهبين أنادي السيدة أقبل الليل فأقبلي.

قد يعجبك ايضا