اللوحة وتحطيم التكامل التاريخي للفن (فن الحداثة)

د. عبد الله الكوماني


د. عبد الله الكوماني –
عندما نتكلم عن أسلوب عصر معين يمكن ان ندل به على معنيين مختلفين.. المعنى الأول كما قال (الفرد نورث ويتهيد): ذلك “الشكل العام للأفكار” الذي نلمسه في إنتاج عصر معين والمعنى الثاني ذلك التصنع الواعي الذي يمارسه بعض الفنانين ويعبر عن “وجهة نظرهم السائدة تجاه العالم المعاصر” أولئك الذين عاشوا التجارب الإنسانية لأزمانهم ونجحوا في التعبير عنها بشكل متناسب مع ما تضمنته تلك التجارب من أفكار وعلم وتكنولوجيا.
ان التعريف الأول للأسلوب لا ينطبق على الحداثة لأنها تمتاز بنزعتها التجريدية وببراعتها الواعية في دراسة الواقع وفي الثورة على التقاليد الشكلية واللغوية,لقد أصبح للحداثة في الفن خاصة شخصيتها المتعارف عليها جماليا في مجال الفنون التخطيطية (Graphics) والعمارة والتصميم وهذا يعني إننا يمكن ان نلخص موقف الحداثة بأنه الاقتحام والنفور من كل ما هو متواصل.
اما التعريف الثاني فانه يشير الى الفنانين الذين يعبرون عن زبدة تجارب القرن العشرين وأفكاره الفنية,مع ذلك فإن كثيرا من فناني هذا القرن لايعترفون بما يسمى بـ”الحداثة” وما جاءت به من تجريد جمالي… وهناك من يعتقد بانه تراث القرن جاء من تيارين متناقضين وان كانا يلتقيان مع بعضهما بين حين وآخر: ” التيار الحديث” “والتيار المعاصر” حيث يرى “ستيفن سيندر” في كتابه كفاح الحداثة لندن م1963, ان المعاصرة داخل الحداثة سمة بارزة من سمات الفن تكمن في كونها خير ما يمثل الفوضى الحضارية التي تعم حياتنا والتي جاءت بها الحرب العالمية الأولى.
لقد تغير عالمنا كثيرا الرأسمالية واستغلالها الصناعة. تفسيرات “فرويد” و”دارون”.. الوجودية ودعوتها الى العبث واللاجدوى.. ثم أدب التكنولوجيا.. وعدم اعتراف الفن بالأمور الواقعية التقليدية وتحطيم تكامل الشخصية الفردية.. لذلك نكون امام فن التحديث والابتعاد الصارم عن المجتمع.. انها كما يعتقد الفنانون التعبيريون (فن اللافن) الذي يحطم الأطر التقليدية ويتبنى الرغبات الفوضوية للإنسان. لقد ودعت الحداثة العوالم الواقعية والحضارية التي قام عليها فن القرن التاسع عشر واعتمد بدلا عنها العوالم الغنائية الموغلة في الخيال والتهكم التي تمتلك القدرة عن الإبداع والتحطيم في آن واحد.
لقد تمثل الغرب الحداثة وعاشها كثورة تقدم على ان: العقل لايعترف بأي مكتسب من الماضي بل على العكس يتخلص من المعتقدات واشكال التنظيم التي لا تؤسس على أدلة علمية.
وخير ما يمثل ذلك هو القرن العشرون القادم بمحاولة جديدة قطعا وتعديلا كليا في القيم المكتسبة وجهدا لتوطيد الخلق التشكيلي على مبادىء ثورية لم تزل مع السنين تظهر جراءة متزايدة في رفضها لا للأفكار القديمة فحسب بل أيضا للأشكال القديمة, وقد ظهر ذلك جليا في مضامين جاء بعضها من بروز ظاهرة علم الجمال الواعي الذي انتج فنا غير واقعي خال من المضامين الإنسانية وهو يركز على القضايا الأسلوبية والتقنية والشكلية ممثلا بقول (نيتشه) ان على الفنان أن لايحابي الواقع.. ان مهمة الفن تجاوز ما هو تقليدي ومتفق عليه.. ومثله (فلوبير): “الذي يقول كلما أريد أن أفعله هو أن أنتج كتابا جميلا حول لاشيء وغير مترابط إلا مع نفسه وليس مع عالم خارجي يفرض نفسه بحكم قوة أسلوبه.
ان تطلع (فلوبير) الى ذلك النوع من الفن الذي لا تربطه اي رابطة بالواقع الإنساني المعاش فهو التطلع نفسه لمجموعة لا ياستهان بها من الفنانين المعاصرين إذ يمكننا ان نعد نتاجات فناني القرن العشرين تعكس بعض التطور الحاصل في الفن اللاهث وراء التجديد والاكتمال عندما صار للفن حرية التنوع في التقاط القضايا الجزئية.
إن أول أنواع الثورة والتجديد أدى مباشرة إلى العمارة الحديثة حين حاز الألمان والهولنديون السبق في تهذيبها. وفي الرسم بدأ (بول كلي) عمله المميز.. وكان (كاندنسكي) يرسم صوره التجريدية الخالصة. فكانت النقلة الكبرى عام 1911 حين انتهى (موندريان) من صنع اربع صور لشجرة كل صورة منها اكثر تجريدا من التي قبلها حتى وصوله إلى رسم مربعات عمودية وافقية.. جعل فيها التكوين مادته التعبيرية واستطاع ان يرسب القوة التسطيحية الى أشكالها الأولية اللاشخصية. كما ترشحت مجموعة من الحركات الفنية من عصر الحداثة.
متأثرة بإنجازات (الباوهاوس) بالمانيا والتي استخدمت معادلا ميكانيكيا لقوى السطوح مما انتج كلا من العمارة الحديثة والاشكال التجارية التي نلمسها في العصر الحديث المسؤولة عن ايجاد مخرج لكل انواع النقص في الخامات والتفاصيل والخيال والتصميم الحرفي.. هذا اضافة الى إن السرياليون 1924م قد خرجوا بشيء مثير حيث تجنبوا التكوين كموضوع لتعبيراتهم واستبدلوه بالصورة المزدوجة في إضعاف المعنى.. واستعملوا عناوين مثيرة لجذب اهتمام المتفرج مثل “العندليب يرعب الأطفال” (لماكس ارنست) أو صورة “الحي الباقي” (لمارجريت) وهي

قد يعجبك ايضا