مدينة مسكونة بالعشق والجمال

خالد القزحي

 - و أنا أكتب عن مدينة فاس (البالي - القديمة) الواقعة في ولاية فاس  بالمملكة المغربية  لا أنشد مجرد ذكر أني قمت بزيارتها كمكان  أو أكتب سيرة ذاتية لزيارتي لها.   إنما أحاول
خالد القزحي –
و أنا أكتب عن مدينة فاس (البالي – القديمة) الواقعة في ولاية فاس بالمملكة المغربية لا أنشد مجرد ذكر أني قمت بزيارتها كمكان أو أكتب سيرة ذاتية لزيارتي لها. إنما أحاول أن أكتب بشكل يقارب الاثنوغرافيا عن ذلك النص الأدبي الزمكاني الأطراف والحاوي لروعة الزمن وأثره على جدران مبانيها وأرضياتها ومعالمها المثيرة تلك اللوحة الفريدة التي أثارت شاعريتي لأتغنى بها وعنها وأثارت فضولي لأقوم بزيارتها باستمرار تارة مع أصدقائي وتارة مع نفسي . حتى في أصعب اللحظات النفسية الناتجة عن الضغط الدراسي والمهجر والظروف المالية المحبطة للطالب اليمني في بلد الدراسة كانت هي ملاذي الوحيد الذي يجعلني أحس بالروحانية العارمة والطمأنينة التي تجعلني أحس بوجود بيتي فيها بمجرد تفكيري بزيارة المدينة القديمة لفاس كانت تأتيني مشاعر العاشق الذي تشتد فرحته ورهبته وهو على موعد مع عشيقته التي لا تلقي له بالا رغم فرحتها الخفية للقاء بدلال العارفة لرغبة العاشق في النظر إليها. وبمجرد وصولي إلى أحد أقدم بواباتها الأربع عشرة القديمة والعملاقة وهي البوابة الدائمة الاستقبال لي مع بداية كل زيارة (باب بوجلود) كما كنت أسمع أصدقائي ينطقون اسمها ولم أتأكد من حروف كتابتها حتى هذه اللحظة كي لا ينقص أو يتغير من ذكراها شيء في نفسي كنت أقف أمام هذا البوابة العملاقة والذي يرمز بلون فسيفسائها الأزرق من الناحية الخارجية لكثرة منابع المياه داخل المدينة واللون الأخضر من الداخل للخضرة والدين. ما إن أصل إليها حتى أحس أني على أهبة الدخول عبر بوابة زمنية تنقلني من خمول المدنية وتراكم غبار وأدخنة المدينة الإسفلتية وعرباتها الملوثة إلى العصور الإسلامية الغناء بداية من منتصف القرن الثامن الميلادي وما فوق لتتوقف كل تلك المظاهر المزعجة من ضوضاء وحداثة لا تأبه للإنسان كإنسان ولا للطبيعة كمكان له كرامته وهيبته مع الدخول من خلال البوابة تتبدل كل تلك المظاهر وتحل محلها أنغام صهيل الخيول ودقدقات مشي البغال والعربات التي تجرها ورائحة النعناع وألحان النسائم التي تتراقص بين الممرات والأزقة جالبة نشوة الوصل مع الحبيبة فاس في قعر دارها .. ما عاد من اثر لملامح الأسمنت الذي تثير أعصابي قساوته ليغطي الجدران بدلا منه إما فسيفساء تم تنقيتها لغرض إمتاع العين ببهاء تركيبها واختيار ألوانها أو طين يرسل للزائر عبير الرحبة وكرم الضيافة. بعض الطين كان يبدو جديدا ويغطي أعمدة أو جدرانا اسمنتيه ولكن هذا زاد من محبتي لأهل المنطقة الذين يحاولون أن يجددوا ما يميز فاس عن كثير من المدن الجميلة الأخرى .. ربما ليس من العدل أن أذكر فاس بدون ذكر أهلها الطيبين ولي معهم محبة خاصة وود سيدوم ما دامت روحي معي ولكن فليسمحوا لي أن أتكلم عنها فقط فمع لقائها أو تذكرها أصبح منتشيا لحد نسيان نفسي فربما عتبت على كثير منهم هجرها وتركها لأيد كل أملها أن تستغل جمالها وبراءتها لمردود مادي مهما حاولوا الحفاظ على نظارتها فهم ليسوا أهلها الفعليين وخاصة أولئك الآتين من الشمال والغرب .. مجرد تذكرهم يثير غيرتي . لهذا لن أتعرض لجانبها الديموغرافي .
كانت فاس القديمة أو فاس البالي كما يحب أهلها أن يسمونها تعتبر خلوتي رغم عدم خلوها من الازدحام باستمرار. مع كل لقاء بيننا كنت أحس وكأنني كنت ابحث عن شيء ضائع مني بين تلك ممراتها وأفنية منازلها وأصوات حوافر الخيول والبغال الناقلة للبضائع وأوجه الناس المبتسمة دوما مهما كان سبب الابتسامة والأسواق المتعددة الأغراض! كل مرة ذهبت وحيدا كنت افقد طريق عودتي وكانت زياراتي المتكررة لا تعلمني أن أتذكر مداخلها ومخارجها مهما كثرت الزيارات لسبب بسيط: كلما دخلتها أصبحت أعيش في حالة هيام تام يسكرني لا أضيع ولو لحظة واحدة للتركيز على مكان تواجدي كي لا أضيع ذلك الإحساس المنتشي الناتج عن تلك الرائحة الزمنية التي كانت تأتيني من جامع القرويين (أول جامعة في العالم859م) أو من ضريح (مولاي إدريس) وبقية المدارس و الأضرحة والزوايا لكثير من الولاة والمشايخ الدينيين والصوفيين التي تتوزع هنا وهناك. أدهشتني أيضا تلك الممرات الضيقة التي تتخلل ألاف البيوت والتي قد تكون بعضها أشد ضيقا في المساحة من ممرات صنعاء القديمة وأكثر رحبة من اتساع شارع محمد الخامس وسط مدينة فاس الجديدة (أكبر شارع رأيته). كل مرة كنت أنصح فيها نفسي بحفظ طريق الرجوع ولكن كانت الأماكن تسكرني تباعا وأنا أتجول غير مدرك أين مكاني بين تلك الأزقة الملتوية والتي من المؤكد أنه كان لها مشار

قد يعجبك ايضا