عن “الحوار”, لا باعتباره “عيادة إسعافات أولية” للإصابات السياسية!!

أمين الوائلي

 - في الأثناء, ليس من الجيد ولا العملي الإيجابي أن تستهلك مفردة ما بمعزل عن تكريس المعنى والمفهوم الدلالي الذي يجب أن يكون هو الأصل والفيصل. من غير المعقول, على سبيل المثال, أن يصبح الحوار إعلانا تلفزيونيا ممولا يقدم في قالب
أمين الوائلي –
في الأثناء, ليس من الجيد ولا العملي الإيجابي أن تستهلك مفردة ما بمعزل عن تكريس المعنى والمفهوم الدلالي الذي يجب أن يكون هو الأصل والفيصل. من غير المعقول, على سبيل المثال, أن يصبح الحوار إعلانا تلفزيونيا ممولا يقدم في قالب درامي وبتكرار بث عبر الفضائيات والإذاعات, ويكون الإنفاق المالي في النهاية ميزانية مهولة, ويتبقى فقط أن ما شاهده الناس تؤرشفه الذاكرة كمواد درامية وفقرات إعلان (تجاري, ربما). طيب فين الحوار¿ زفة وراحت في حال سبيلها.
لمصلحتنا ولمصلحة البلد والمستقبل, لا أرى أن العمل هكذا, وفقا لآلية وعادة الزفة الموسمية, مجديا أو سيثمر معنى يدوم ويبقى أثره.. ممهدا ومؤسسا للتراكم وللإنتاج المعرفي تفكيرا وسلوكا, كما يظهر فعله وتتحقق الجدوى منه عبر تبلور وتطور منظومة المؤسسات والإدارات والسياسات والبرامج والاستهدافات المدنية والوطنية, وصولا إلى “إدارة الحياة” بطريقة أفضل وآمن يشعر بنتائجها وجدواها الفرد والمجتمع على السواء.
ليكن لدينا هدف استراتيجي أشمل وأبعد من الشهر القادم أو العام القادم. عندما تستنفر أمة بهذا الشكل يجب أن تتوخى مستقبلا واسعا وأفقا رحيبا, لا ينتهي جدول أعماله وخارطة أهدافه كما ينتهي جدول أعمال العام الدراسي مثلا.
يصار إلى الحوار, يمنيا وفي هذه اللحظات, عن إلزام تعاهدي وباعتباره بندا في نص اتفاق سياسي آني جاء أو جاءت به الضرورة الملتبسة لمعالجة تأزم قائم وملتبس. من زاوية شخصية بحتة, أرى أن “الحوار” ليس نوعا من المهدءات الإسعافية للتعامل مع حالات الطوارئ, كما يقدمه الأنموذج السياسي الإسعافي المعمول الآن.
هذا لا يقدح في جدوى وفائدة وعقلانية العمل القائم, بقطع الصلة عما يمكن أن يفضي إليه ويؤسس من نتائج وخلاصات نظرية وعملية, لا أحد يملك الحق أو القدرة على التنبوء بها والنص عليها من هذه الساعة المبكرة لفعالية مقدر لها أن تستغرق ستة أشهر كاملة, وربما كان التمديد لها خيارا في حينه كما يطرح البعض.
ما أرمي إليه يتلخص في النظر إلى الحوار والتعامل معه كاستحقاق ثقافي وفكري وتعليمي وتنويري, وكمهمة يومية ورسالة أولى في صلب مهام وأعمال وواجبات المؤسسات والسلطات والكيانات الأخرى, منظمات وجمعيات وأحزاب وما في حكمها.
ما لم يكن الحوار, ثقافة أصيلة تنتج سلوكا تابعا وتتحرى غايات بعيدة المدى وجماعية الأثر والفائدة, فإننا نهدر فرصا متتالية للانتقال من دائرة التجارب والأزمات المستعادة والمكرورة إلى مربعات أخرى بجداول أعمال مختلفة وتصاعدية تبني على ما سبق وتؤسس لقادم لا يشبه الحاضر.
تكمن المعضلة, بالنسبة للحوار القائم اليوم, في كونه يتخذ شكل ونظام وصلاحيات عيادة إسعافات أولية متنقلة. جاء للتعامل مع مقاربة سياسية وليست ثقافية وفكرية وتربوية. لسوء الحظ, على سبيل الذكر, أن معظم قوام مؤتمر الحوار جاء تبعا لأولويات ومقاييس وخلفيات سياسية حزبية وقبلية وغاب تماما المعطى الثقافي والتخصصي والأكاديمي. هؤلاء مهمتهم, حتى لا نخدع أنفسنا, التعامل مع عناوين وتمريرها بالشكل والمضمون الناجز سلفا أو المقدم للإجازة مع صلاحيات محدودة في التدخل والتعامل الجوهري مع النصوص.
يغالط نفسه من يدعي أكثر من هذا المتاح في أحسن الأحوال. ستبقى حاجة اليمن واليمنيين قائمة قبل وخلال وبعد الحوار القائم, إلى حوار وطني “شامل” بمعنى الكلمة. وأرجو للحوار النجاح وللمتحاورين التوفيق.

قد يعجبك ايضا