قراءة في الرؤية والفن (2)

عبد الرحمن مراد


عبد الرحمن مراد –

الوطن كقضية وجود وانتماء
ظل الفضول بمنأ عن التناولات النقدية والتحليلية, وظل نتاجه الإبداعي حبيس الأدراج, إلا ما نذر وما ذاع بين الناس بأصوات الفنانين, ولذلك قد يجد الباحث صعوبات عديدة في تحديد الموقف الإبداعي من القضايا الوطنية الكبرى إلا ما دل سياقها ومضمونها على الحدث الوطني والتاريخي .
ومع توقف صحيفة الفضول عام 1953م ,لم يؤثر عن الفضول أي أثر إبداعي ويؤكد أحد أبنائه في مقدمة ديوانه الصادر عن الهيئة العامة للكتاب, أنه هجر الشعر إلى مطلع عقد الستينات من القرن الماضي , وذلك الهجران كان عن قناعة مطلقة بالتضاد بين الفن ومتطلبات وحاجات الإنسان المادية ومثل ذلك شائع بين جمهور الأدباء يقول بدوي الجبل :-
خلق الشاعر والبؤس معا
فهما خلان لم يفترقا
ويمكن القول أن تفجر الحدث في سبتمبر ( ثورة سبتمبر 26) عمل على تفجير كوامن الإبداع فعاد مجراه إلى مكانه الطبيعي ,أي أن عودة الشاعر الفضول إلى الشعر بعد أن تجددت في عوالمه الداخلية والخارجية الحياة, وشعر بحاجة ذلك التجدد إلى الفن فولج إليه من باب الإنسانية الواسع بدءا من قصيدته التي يمدح بها أمير الكويت حين تكفل بعلاج السيد محمد بن يحيى الوريث وهو صديق أثير للفضول ومرورا ( بأرض المرؤءات ) وانطلاقا إلى عوالمه وآفاقه الفنية التي لم تتوقف إلا مع توقف وجيب قلبه عام 1982م ولعل المتأمل في شعر الفضول يجد روحا عمرها الله بالحب والسلام والخير والعطاء فلم تبخل على الناس أن ينالها من ذلك الحب ومن عطره وزهره كل بقدره ومكانته لذلك اتسعت أبعاده الموضوعية الإنسانية حتى الثورة حين نالتها سهام نقده رأينا سهامه لا تخرج من ظلال تلك القيم , إذا أنه في نص ( أرض المروءات) يعتب على القيادة القومية المصرية التي كانت تدير الفعل العسكري والسياسي في صنعاء بعد ثورة سبتمبر أثناء مواجهة الثورة للمناوئين لها من أنصار النظام المتوكلي اليمني الذي حكم اليمن قبل سبتمبر 62م يعتب عليها السقوط القيمي والسقوط الإنساني , وهو السقوط الذي رأى فيه خدشا لروح الفن.

لم يكن الفضول بمنأ عن ظلال الحركة القومية التي تبدو ملامحها في خفايا ودلالات وظلال الأبيات الآنفه , لقد كان شعار الحركة القومية يتمثل في حق الشعوب في التحرر والتمكين لنفسها في سيادتها على أرضها في شعور متعال بالندية مع الآخر واعتزاز غير مبالغ فيه بشرف الانتماء كما يؤكد ذلك هذا المقطع:
يا رحاب المجد ما روضنا
فيك أو مسكننا طول عنا
هاك منا قسما يا أرضنا
خالدا في شدة أو رخاء
لن يرى ألاذ لال إلا رفضنا
رفض جبار شريف الكبرياء ()
***
مثل ذلك الشعور بالتعالي والندية والامتلاء تعـزز في الذات العربية بعد تأميم قناة السويس وإشتغال الخطاب الثقافي عليه تعويضا عن حالات الانكسار والنكوص وانتشالا للذات من دوائر الذل والهزيمة وهو في سياقه العام لا يخرج عن التكوين العام للذات العربية التي أشتغلت على الأنفة والمجد والاعتزاز والمرؤة في منظومتها الأخلاقية المتكاملة التي لم تقف عن حدود المادية الصرفة عند الفضول بل أخذت بعدا حلوليا كما يدل هذا المقطع :-
كلما واجه صعب قدمي
تربتي فيها تربتú أعظمي
وبها شب مصرا حلمي
ويدي من شهدائي ودمي

كلما فاد مضى صافحنا
وسنعطيها ولن نزهقنا
هذه الأرض التي رحنا على
فوقها ما عرفت رايتنا القاع يوما
أبدا لن تنتهي فيها
***
وتحداني, تحداه وجودي
وأتىö من جودها بذلي وجودي
أن أرى فيها طليق من قيودي
دفنت فيها ثرائي ورصيدي

شرف الأرض فخورا بالفداء
أبدا فيها تكاليف البقاء
صهوات العزö فيها وأتينا
أو تهاوت من يدينا
انتصاراتنا إلا إذا نحن انتهينا()
فالتداخل الوجودي بين النماء والجود للأرض والنماء والجود للذات لم يكن يأخذ بعدا فلسفيا كما هو عند الوجوديين بين المتمثل في التحلل والفناء ثم العودة والنماء في الآخر باعتبار الإنسان مجموعة من العناصر الكيمائية العضوية التي تتحلل في التربة ثم تعيد إنتاج نفسها في الكائن بل أخذ بعد أخلاقيا وحلولا صوفيا تما هي في الوجد فكان عطاء الذات يتوازى وعطاء التربة باعتبارها انتماء وجودي ومن خلاله يتفجر عطاء الذات:-
أنه يوم عطائي فيه أغنيت
وبه مارست جودي وأطعت
وبه مديت كفي وألحمت
تأريخي حياة ووجودا
سماحاتي وبريت الجدودا
شطري وحطمت القيودا
ومثل تلك المعاني نجدها بتواتر ملفت للنظر

قد يعجبك ايضا