إنسانية مهدورة
عبدالله حمود الفقيه
عبدالله حمود الفقيه –
يتهمني البعض بالتشاؤم والنظرة السوداوية وقد يكون ذلك صحيحا وبالتأكيد ليس ذلك ناتجا عن قصر النظر الذي أعاني منه منذ الطفولة.ولا أبرئ نظارتي ونظري من تشاؤمي الذي قد تتصاعد رائحته من بين السطور فلهما يد لا تنكر في ذلك فبهما تتمكن مني الأخبار والمقالات والتحقيقات والتقارير التي تصل إلي بفواجعها الكارثية فما أن أمرر نظري المسكين بين سطورها حتى تطلق حروفها وكلماتها أياديها المتكاثرة لتلتف على عنقي كالثعابين وتغرس أنيابها في رأسي ويسري سمها الزعاف في كل أجزاء الجسد المثقل كالوطن تماما.
وربما أتخلى عن عيني لحظات كثيرة لأستعير عيونا أخرى ترى لعلها تغير نظرتي التشاؤمية للواقع والحياة فيصادف أن تكون العيون المستعارة عيون طفل خطفه الأوغاد أو باعه أب حقير منعدم الإنسانية لنخاس أحقر وأنذل ليتاجر به ويئد طفولته ويهتك إنسانيته يبيعه في الحدود بثمن بخس لذئب يعبث به يغرس أنيابه في جسده ينتهك كرامته وآدميته!!!
أستعير أخرى فيجلب لي حظي العاثر عيون طفل آخر يبتر النخاسون الوحوش جزءا من أعضائه ليتسولوا به!!
وأخرى فأقع على عيون طفل آخر يستخدمه مستذئب من تجار الجحيم قطع غيار لأولاد الذين…..!!!!
وغيرها لآخرين يلاحقهم الموت واللعنة في البيد الموحشة بعد أن قرروا الفرار من وطن لم يقبلهم إلى آخر يستعبدهم بالقليل من المال والكثير من الرصاص والنار.
أعود إلى هنا فأجد أطفالا يملأون الشوارع في محاولة للتشبث بحياة الموت أرحم منها…………….
وغيرهم كثر ….
ترى كيف ستكون نظرة مثل هؤلاء الذين يصرخون ملء الفضاء فتصطدم صرخاتهم بوطن لا أذن له ليسمع ولا عين ليرى ولا قلب ليعطف ويرحم… يصرخون فتصل أصوات صرخاتهم إلى السماء وتعود عليهم غربة وجحيما ولعنة¿!!!
حاولت كثيرا وفي كل مرة لا أجد سوى عين بائسة أثقلها الغبار وأنهكها طول النظر إلى البعيد بحثا عن مستقبل يضمن لقمة عيش كريمة عين ترى بأمل يائس ويأس مؤمöل واقعا يطأ بثقله وبؤسه ولا إنسانيته على أجساد المعذبين الأشقياء “المتعبون ودربهم قفر ومرماهم هباء”كما وصفهم عمر أبو ريشة.
ربما عيون المسؤولين والمتخمين قادرة على التفاؤل ورؤية الجمال الذي يمتلئ به الكون والتمتع بالحياة الغامرة بالمسرات والأفراح والليالي الملاح لكنهم -مع الأسف- لا يعيرون عيونهم أحدا.