المدينة المنورة عاصمة الثقافة الإسلامية

هشام علي

هشام علي –

{ يفتح اختيار المدينة المنورة عاصمة للثقافة الإسلامية آفاقا متعددة للتفكير والتأمل والحوار فالمدينة المنورة بما تحمل من دلالات مقدسة ومعان تاريخية تمثل رمزا يفوق في قوته وثراه معنى عاصمة دورية للثقافة الإسلامية أو مجرد منافسة للاحتفاء بالمدن الإسلامية الشهيرة وهكذا تأملت فكرة قرار اختيار المدينة المنورة كعاصمة للثقافة الإسلامية.
كان ذلك في «باكو» عاصمة جمهورية أذربيجان في 2009م أثناء اجتماع وزراء الثقافة في العالم الإسلامي وكانت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة قد أعدت قائمة بالعواصم الثقافية الإسلامية تمتد إلى العام 2025م.
وفي أعقاب ذلك الاجتماع كنا أعضاء الوفود المشاركة على موعد مع العشاء في قاعة على شاطئ البحر وفي الحفل قدمت فرق فنية وفلكلورية فقرات غنائية وموسيقية ورقصات شعبية تمثل تراث الفلكلور في وسط آسيا كانت الفقرات الفنية رائعة ومعبرة عن هوية ثقافية خاصة بهذه الرقعة من قارة آسيا كما كانت تحتوي بعضا من آثار الفنون الروسية وهذا من تأثيرات المرحلة السوفيتية حيث كانت أذربيجان واحدة من جمهوريات الاتحاد السوفيتي قبل أن تظهر بريسترويكا غورباتشوف التي فكفكت الاتحاد وأطاحت بالمعسكر الاشتراكي في نهاية ثمانينيات القرن الماضي.
لفت انتباهي في الرقصات الفلكلورية وجود تشابه بينها وبين بعض الرقصات الفلكلورية اليمنية التي كانت تؤديها الفرقة الفنية التابعة لوزارة الثقافة في جنوب الوطن تذكرت بالمناسبة المقالة التي كتبها الأستاذ عمر الجاوي في السبعينيات وكانت بعنوان «لرقصة ليست يمنية!» وقد علق فيها على الرقصات الشعبية التي كانت تقدمها الفرقة الوطنية للفنون الشعبية وأشار إلى وجود إضافات وحركات تختلف عن الفلكلور اليمني وتشبه رقصات الجمهوريات الآسيوية في الاتحاد السوفيتي.
كان عمر الجاوي محقا ودقيقا في ملاحظته لا سيما أنني عرفت بعد ذلك أن المدرب الشهير «ألبرت» الذي تولى إنشاء الفرقة وصمم الرقصات الفلكلورية اليمنية كان من مواطني أرذبيجان وقد أدخل في تصميماته للرقصات اليمنية بعضا من ألوان الرقص الشعبي في أذربيجان.
وإنصافا لذكرى هذا الرجل أي ألبرت ينبغي الإشارة إلى أنه قام بجولات عديدة في مناطق مختلفة من اليمن ليجمع ألوان الفنون الشعبية والرقصات والأزياء قبل أن يعيد تصميمها وتقديمها بتلك الطريقة الرائعة التي مكنت الفرقة الوطنية اليمنية من النجاح في كثير من المهرجانات العالمية.
ربما طال هذا الاستطراد قليلا لكن ما قصدته منه كان الإشارة إلى مسألة مهمة وهي أن الإسلام الذي وصل إلى هذه البلاد لم يسع إلى تغيير ثقافتها وفنونها وعاداتها لكنه تداخل معها واندمج فيها مكونا مزيجا فريدا من تفاعل الثقافات وهو الأمر الذي لم تتمكن من تحقيقه الديانات الأخرى وقد أكد هذه الحقيقة الكاتب والدبلوماسي الإيطالي مايكل أنجلو ياكوبوتشي في كتابه الهام «أعداء الحوار» حيث قال : «إن عملية أسلمة أقاليم واسعة من الكرة الأرضية قد جرت على أثر جيوش منتصرة فرضت نظمها ومع ذلك بالمقارنة مع عملية الاستعمار الأوروبي فإنه يبدو أن عملية الأسلمة هي أكثر احتراما للمعتقدات والثقافات الأصلية فعلاقة الفاتحين المسلمين بأصحاب البلاد الأصلييين اتخذت مراحل وأشكالا متنوعة حسب كل بلد وفق السياق التاريخي وحسب ميول وطباع هذا الرئيس أو ذاك ولكن لم يحدث قط أن وصلت هذه العلاقة إلى الشطط الذي ميز الاستعمار الغربي : الإكراه في الدين إبادة المعارضين نزع الثروات تغيير التوازن الديمغرافي لصالح المستعمöرين انتهاء بالإبادة ولا يجب أن نغفل تلك الحقيقة التي أبرزها مؤرخون غربيون وهي أنه خلال تقدم الفاتحين المسلمين لم نجد أي بعد عنصري يخالف فكرة الأمة».
ويذكر ياكوبوتشي كيف أن الديانة المسيحية في انتشارها في آسيا قد توقفت عند حدود الامبراطورية الرومانية وأنها ارتبطت بعنف تلك الامبراطورية الغازية ولم يكن الأمر كذلك في انتشار الإسلام في آسيا حيث كان الاعتناق التلقائي للإسلام وهو يستشهد بجوستان لوبون لتأكيد هذه الحقيقة فقد بين كيف أنه على أراض لم يفرض العرب عليها سيطرتهم فقط مروا عليها مرورا مثل شبه القارة الهندية أمكن أن يكون هذا العدد الكبير من الذين اعتنقوا الإسلام بطريقة واضحة هكذا.
لم يكن الغزو أو الفتح وحده هو عنوان انتشار الإسلام فالهذر كما يقول هذا الدبلوماسي الإيطالي اعتنق الملايين من أبنائها الإسلام بدون فتح لمجرد عبور الإسلام في هذه البلاد والجانب الأكثر أهمية في هذه التجربة الهندية هو انفتاح الإسلام على ثقافات الهند وفنونها والتمازج الذي تحقق فيها يقول المؤلف ياكويوتشي : «ولا أحد يستطيع أن ينكر – حتى أشد المتعصبين – آلاف الأدلة التي تظهر هذا التمازج والاندماج الثقافي بين الفاتحين وأصحاب الأرض الأصليين الذ

قد يعجبك ايضا