الديمقراطية المصنعة

د. عبدالعزيز المقالح

 - لم يكن الغرب بارعا في صناعة الآلات فحسب بل كان بارعا أيضا في صناعة الدول والحكام وفي صناعة الديمقراطية المزيفة وفق مقاييس تحقق أهدافه. وما الديمقراطية التي يمارسها الكيان الصهيوني على أرض ليست له وفي مجتمع عسكري
د. عبدالعزيز المقالح –

لم يكن الغرب بارعا في صناعة الآلات فحسب بل كان بارعا أيضا في صناعة الدول والحكام وفي صناعة الديمقراطية المزيفة وفق مقاييس تحقق أهدافه. وما الديمقراطية التي يمارسها الكيان الصهيوني على أرض ليست له وفي مجتمع عسكري مسلح من رأسه إلى أخمص قدميه إلا النموذج الصارخ للديمقراطية المصنعة غربيا والمتفق على الإشادة بها والحديث عنها بوصفها نموذجا متميزا وسط مجتمع عربي قبلي أبوي السلطة. ولا أظن عاقلا واحدا أو حكيما واحدا في هذا العالم لا يعرف هذه الحقيقة ولا يتضح له هذه اللافتة الخادعة للديمقراطية المغشوشة التي تخفي وراءها كتابا مؤلفا من العصابات المتنافسة والمتناحرة والمتخفية وراء هذا الشعار الذي صنعه الغرب الذي لا يكف عن بذل كل إمكاناته للمحافظة عليه والمباهاة به حتى انخدع الكيان الصهيوني نفسه وظن أتباعه أنهم يمارسون الديمقراطية في شكلها ومحتواها الصحيحين.
وفي الانتخابات الأخيرة وفي كل ما سبقها من انتخابات تتجلى حقيقة هذا التجمع الهلامي الصهيوني -وجوده وديمقراطيته- وكونه لا يخرج في تعبيره الصارخ عن كيان عسكري مدرب ومنضبط وفق تعليمات عسكرية لاحتواء الخلافات والتشققات داخل هذا التجمع الهلامي من ناحية ولخداع البسطاء والسذج في العالم بأنه كيان ديمقراطي يقوم على الانتخابات وتبادل السلطة في حين أن اختيار ممثليه المدنيين يتم دائما من داخل العسكريين أو العسكريات ما يؤكد أنه مجتمع عسكري حتى العظم ولا علاقة له بالمدنية وإن كل من يعيش في نطاق سيطرته تحت السلاح وفي انتظار الاستدعاء في أية لحظة باستثناء الأطفال والعاجزين من الشيوخ الذين بلغوا أرذل العمر. وفي هذه الصورة الواقعية ما يثبت كل ما سبقت الإشارة إليه من أن كل ما في هذا الكيان مصطنع وقائم على الخداع ابتداء من الدولة ومؤسساتها الأمنية إلى الأحزاب والديمقراطية التمثلية .
والواقع الراهن يثبت كذلك أن هذا الكيان بمكوناته المتناقضة بدأ يضيق بما يفرضه الالتزام بهذا المظهر المصطنع ولم يعد يجيد التمثيل فانكشفت عوراته على الملأ وتوضحت صورته الحقيقية أكثر فأكثر وبدأ العالم يعرف شيئا فشيئا أن هذا الكيان لم يكن سوى مجتمع عسكري لحراسة مصالح الغرب في الوطن العربي وإيجاد حالة من عدم الاستقرار في المنطقة تمكن لقوى الضرب الاستعماري الاستمرار في فرض الهيمنة السياسية والاقتصادية. وهذه الحقائق التي باتت واضحة تؤكد حرص الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة على اعتبار سلامة هذا الكيان جزءا لا يتجزأ من سلامة أراضيها ويفضح الصمت المتواصل على الجرائم الخطيرة في حق المواطنين الفلسطينيين وما يرافقها من تمدد مساحات الاستيطان وتهديم منازل هؤلاء المواطنين في القدس وفي الضفة لبناء منازل للمستوطنين في حالة من تجاهل كل القيم والأعراف والقوانين الدولية والإنسانية.
وما يبعث على الضحك أن يتابع بعض العرب الانتخابات التي تقوم بين حين وآخر في محيط الكيان العسكري اللاديمقراطي وهل سيمكن اليمينيين من الفوز أم الوسط أم اليسار. وكأن الفترة الطويلة على وجود هذا الكيان الغريب في الأرض وتكرار ألاعيبه المكشوفة لم تكن كافية لإقناع هؤلاء المتابعين بأن التمثيلية باتت مملة وغير جديرة بالمتابعة على الإطلاق وهو ما حدث ويحدث في هذه الانتخابات الأخيرة من قبل الإعلام العالمي الذي يتجاهلها ولا يهتم بالحديث عنها من قريب أو بعيد.

قد يعجبك ايضا