التاريخ كعلاج للجغرافيا

عارف الصرمي

 - حين بدأ اليوم الأول لمؤتمر الحوار الوطني كان الحوثي هو أول من أطلق صوت الخلاف على طريق الحوار! ثم ما إن فتح الباب حتى علا كل صوت!
عارف الصرمي –
حين بدأ اليوم الأول لمؤتمر الحوار الوطني كان الحوثي هو أول من أطلق صوت الخلاف على طريق الحوار! ثم ما إن فتح الباب حتى علا كل صوت!
وكأنه كشف بتلقائية غير محسوبة نيابة عن مختلف الفرقاء حقيقة المسافة غير القريبة لوقوف أخوة الوطن واصطفاف شركاء المصير على أرضية المشترك من التاريخ للوصول إلى حلول تنهي مشاكل الجغرفيا!!
الدلالة هذه تأتي من موقف فردي لناشط حوثي لأن الصورة التلفزيونية بعد ذلك بأكثر من أسبوع كانت بمنتهى الجمال السياسي والوطني حين شاهدنا ممثل الحوثي صالح هبرة بصفته نائبا لرئيس مؤتمر الحوار يرأس شخصيا ويدير إحدى الجلسات بأسلوب مقبول تماما في مشهد عقلاني رائع عكسه الجميع في القاعة بما في ذلك زملاؤه في المنصة نواب رئيس المؤتمر الذين هم أبرز قادة الأحزاب السياسية وهو بكل تأكيد مؤشر إيجابي يملك أن يعكس جاهزية اليمنيين للقبول ببعضهم البعض في الوقت الذي يحتفظون فيه بكل اختلافاتهم افرادا ومجتمعين!
لكن لا تزال البلاد تئن تحت وطأة اختناق اقتصادي وانسداد سياسي مسنود بانقسام الجيش والتدهور الأمني وغياب شبه تام لسلطة القانون وحدود مكشوفة ومفتوحة لتجارة التهريب لكل شيء من البشر والمخدرات إلى سفن السلاح الإيرانية وشحنات المسدسات التركية!! وبجانب ذلك فالبلاد أصلا مفخخة بأزمات مصيرية تلتهب كلها على صفيح ساخن في الجنوب كله وكذا شمال الشمال في صعدة.
وكما يبدو فإن أعضاء مؤتمر الحوار لم يبدأوا الحوار حتى اليوم فهم لا يزالون يتحسسون طريقهم نحوه بالاستماع أولا لبعضهم البعض غير أن هذا العدد الضخم لأعضاء مؤتمر الحوار الوطني الذي لا أجد له مبررا سياسيا مقنعا فالنتائج مهما كانت لم تحسم بالتصويت حتى نحتاج لزيادة عدد تمثيل الأطراف أو الجهات والشرائح والفئات وحتى العائلات! ومع ذلك فالجميع يمثلون اليمن وحين نشاهد ونستمع لكلماتهم ونفتش في مدى عمق ملاحظاتهم! وارتفاع أصواتهم واللامبالاة العديد منهم وهم يتحدثون مع بعضهم أو يتحركون في جوانب القاعة وخارجها أثناء انعقاد الجلسات نجد ذلك مخيفا ومقلقا بل ومحبطا لأنهم ليسوا في نزهة!! بل بأكبر وأخطر مهمة إنقاذ تاريخية لليمن!!! خاصة أن الأزمات الكبرى التي تهدد مستقبل الدولة لم يبدأ الحوار فيها بعد وكل المخاوف تبدأ وتنتهي عند حدود أن يفشل المتحاورون في حلها أو حتى حلحلتها من مكانها!
فكيف ونحن نشاهد أعضاء الحوار كل باسمه وصفته ومنطقته يضيف قضية جديدة ويذكرنا بمشكلة أخرى عويصة ونساء من تهامة إلى المهرة مشاركات في المؤتمر يقرعن الأجراس وينبهن لمخاطر وفضائع تهدد المجتمع في أطراف البلاد إذا لم يتم حلها بشكل عاجل! وكل ذلك صحيح ولا غبار عليه خاصة اذا أخذنا بالاعتبار أن اليمنيين ومعهم نادي الأغنياء الخليجي من دول البترودولار وقادة الغرب لم يجتمعوا على قضية واحدة كما يفعلون اليوم! فإذا لم يتنبه الجميع لمختلف مشاكل الوطن والمواطنين في هذه الفرصة فمتى سيتنبهون¿! وإذا استعصى عليهم حل هذه المشكلات الصغيرة الممكن حلها بسهولة فكيف سيتمكنون من حل مشكلات اليمن الكبرى! بل إن تجاهلهم لهذه المشكلات سيكون دليلا كافيا يفضحهم بأنهم غير جادين في إنقاذ الوطن.
وفي حال سلمنا بوجاهة هذا المنطق وصواب الحجة فإن إغراق الحوار والدولة بكل هذه المشكلات في نفس الوقت الذي تبدو فيه البلد مشلولة الحركة بحزمة مشكلات مصيرية تهدد بنسف بنيان السلم الاجتماعي وتمزيق الهوية الوطنية والخصم من رصيد السيادة والعصف باستقرار الداخل واقلاق الجوار وتهديد مصالح العالم لدينا- فإن كل ذلك حتما سيضاعف من أصوات الخلاف حول الحلول والأولويات ويزيدها عددا وعدة !
إذا.. فنحن أمام كومة كبيرة جدا من الاختلافات وتنوع هائل للآراء ووجهات النظر حيال كل شيء وهنا.. دعوني أقولها بصراحة: فأنا لا أتوقع أبدا أن العدد الكبير جدا من المشاركين في مؤتمر الحوار سيتفقون على كل شيء أو أنهم سيستسهلون إنهاء خلافاتهم من أجل المصلحة الوطنية العليا!! وأرى بوضوح تام أن الخطوة الأولى لضمان نجاح الحوار تقتضي إعادة النظر بطريقة التفكير التي تحصر النجاح فقط في إنهاء الخلافات لأن هذا النوع من التفكير غارق في الشاعرية والرومنسية السياسية!!! فبقاء هذه الخلافات يمكن التعامل معه بالاعتراف بها واحترامها ويتحتم علينا فقط أن نتفق على آلية مناسبة ندير بها خلافاتنا وتنوع آرائنا بواقعية وطنية أحسبها سهلة التنفيذ وبأقل التكاليف. فإذا نظرنا لدول العالم وبخاصة الكبيرة منها سنجدها مفخخة بكل اشكال الخلاف الديني والعرقي والثقافي والسياسي والاقتصادي وبعضها خاضت حروبا دموية طاحنة وطويلة الأمد وحين توصلت للخلاص

قد يعجبك ايضا