إعادة بناء القيم

عبدالرحمن طاهر

 - قد يبدو من السهل إعادة بناء ما دمرته الحرب أو إعادة الأموال المهربة للخارج أو تعويضها من المنح الدولية أو ... إلخ قد يبدو ذلك مسألة وقت لكن الأصعب هو إعادة بناء القيم والولاء للوطن وإعادة الاعتبار لقيم المهنة ولقيم العلم
عبدالرحمن طاهر –
قد يبدو من السهل إعادة بناء ما دمرته الحرب أو إعادة الأموال المهربة للخارج أو تعويضها من المنح الدولية أو … إلخ قد يبدو ذلك مسألة وقت لكن الأصعب هو إعادة بناء القيم والولاء للوطن وإعادة الاعتبار لقيم المهنة ولقيم العلم والعمل والإنتاج ولقيم الوظيفة العامة وهي قيم البناء والتنمية والابداع وتكافؤ الفرص والتنافس الشريف تلك القيم دمرها الفساد واختلال المعايير المهنية بل والأخلاقية خلال السنوات الماضية إعادة بناء القيم تلك بحاجة للكثير من المثابرة والعمل والوقت والتفكير الجاد بالمستقبل.
إعادة بناء القيم الوطنية ليس سهلا لكنه بداية لمشوار طويل من إعادة الاعتبار للقيم المهنية ولمبادئ التخصص واحترام الكفاءات والخبرات ولا يتأتى ذلك إلا بحكومة تكنوقراط وهو ما يجب أن يعمل عليه الرئيس الذي يحظى بشرعية غير مسبوقة وتأييد إقيمي دولي – ليعيد المكانة للوظيفة العامة والتقدير للمنصب الذي يتسلمه صاحبه بجدارة واقتدار وليس التقاسم والمناصفات وذلك هو إعادة اعتبار لقيم الوطن ولمستقبله المحفوف بالمجهول.
في الدول العريقة بالديمقراطية تتغير الحكومات ويتعاقب الرؤساء ويبقى الجهاز الإداري للدولة ثابتا على أسس مهنية قوية تعتمد الكفاءة والخبرة والتخصص كمعايير ثابتة ولا تتأثر بسياسة الأحزاب ولا بالمنافسات الانتخابية ولا أثر للمماحكات المتخلفة كالتي نعاني منها.
حتى نهاية الثمانينيات كان الجهاز الإداري للدولة ما زال يعتمد إلى حد ما على المعايير المهنية فضلا عن التقييم السليم للأداء ولمعايير الحوافز والترقي في الوظيفة العامة تلك هي الوسيلة المثلى لإحداث التنمية وبلوغ الأهداف المرجوة لكن ما الذي حدث بعد ذلك.
خلال سنوات ماضية سمعنا وقرأنا تهاني عبر الصحف لمن تم تعيينهم في وظائف عامة ممن نالوا ثقة «القيادة السياسية» حسب صياغة التهاني آنذاك تلك التهاني ودبجت بعبارات مبتذلة امتهنت الوظيفة العامة وحولتها لملكية خاصة منحت «كمغنم لا كمغرم» لمن التزم بشروط الولاء للفرد والحاكم وللمقربين والمحسوبين وسط ذلك المناخ السياسي المتمترس خلال التسعينيات تحديدا انتشرت هذه الظاهرة وسادت ثقافة المفاهيم المبتذلة على حساب مفاهيم وطنية ومعايير الوظيفة العامة التي نظرلها كمصدر مدر للاثراء السريع.
ذلك المناخ الموبوء بالمحسوبية والفساد الغى معايير التعيين الأساسية والمهنية للوظيفة العامة كـ«الكفاءة والخبرة والتخصص» واستبدالها بشروط خاصة وولاءات ضيقة بدلا من المعايير الوطنية وهي المعايير التي تعتمدها كل حكومات العالم حتى المتخلفة لتحقيق أهداف التنمية وتطبيق برامج الإصلاح.
حينها كان قد بدا يتخلق مزاج عام بين الناس يعتقد أن من حصل على وظيفة مرموقة أو نال الحظوة والقرب هو رجال فهم طبيعة المرحلة «المرحلة التي انتشرت فيها مقولة باجمال شفاه الله».
وفي المقابل ركن عدد غير قليل من الموظفين المستقلين ممن لا حول لهم ولا سند حزبي أو جهوي و «خليك في البيت لا تفسدها علينا» من هؤلاء من تماسك ولم ينهزم وبحث عن وظيفة أخرى ومنهم من أنكسر طموحه وأحبط ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا إن حكومة تمسي تدبر لإقصاء كادرها الوظيفي والمهني تصبح فاشلة ولقد صنفنا بالدولة فاشلة عشية التغيير لذلك بات من الواجب على من يهمه أمر هذا الوطن أن يعمل على إعادة الاعتبار للقيم الوطنية والمهنية وبالمقابل بات من الواجب من حكومة الوفاق التخلص من كل ما تسبب به الفساد والاختلالات وأفسد قيمنا ومبادئنا الأخلاقية.

قد يعجبك ايضا