رواية مميزة في موضوعها

نبيلة الشيخ

نبيلة الشيخ –
لم تلق فترة حكم العثمانيين في اليمن ما يجب ان تلقاه من الإهتمام التاريخي , فالمكتبة اليمنية ناضبة , وكذلك المدرسة اليمنية , والمناهج الدراسية , لا تتعرض لهذه الفترة , وتصمت عنها بشكل معيب , فلذلك ولهذا النقص الكبير سواء في الكتاب المدرسي أو االحركة الثقافية التوعوية , فإن وجود كتابة تناقش هذا الأمر سيكون لها بالغ الأهمية , وستعالج وتسد بعض الفراغ الفاغر فوه , وهذا ما فعلته ,هذه الرواية المميزة في موضوعها , وفي إنتقائها الذكي ,
لقد وقف المؤلف في زاوية حساسة وقام بتصوير مشاهد مهمة بكاميرا واعية , ورغم بعد هذه المشاهد , إلا أنها صارت قريبة .
والقصة يمنية خالصة , ويمنية خاصة , بمعني أنها لن تقرأ إلا من نخبة معينة , لخصوصيتها , ولتاريخيتها .هل كانت هذه اليمننة ميزة أم عيب , أما ونحن في هذا الفقر الشديد لهذه الفترة الهامة من تاريخ وطننا , فأظنها ميزة وميزة كبرى .
لكن هل كان يستطيع أن يوسع دائرتها ويشد إليه جمهورا أكبر , ويحافظ على هذه الخصوصية , نعم ولكنه لم يفعل .لو فعل لضاعف من حصيلة الميزة الكبرى بكل تأكيد .

العناوين
سöم الأتراك , هو سöم بالكسر وليس بالضم …وهو يرمز للجنبية . و هو اسم الرواية , الذي عبر عنه في ما بعد بالتسعة عشر إماما , والذي صدر عناوين
الرواية بأسمائهم لتشعرنا هذه العناوين بأننا لا نمسك برواية أدبية وإنما بكتاب في التاريخ تسعة عشر عنوانا تعاقبت لأسماء الولاة الترك وبلا فاصل ..حيث كثيرا ما
أخرجنا العنوان من جو الرواية وعاد بنا قسرا إلى أجواء التاريخ , هل كان تتابع هؤلا الولاة كلهم كعناوين أمرا ملحا , إذن فالواقع قد تغلب على خيال الروائي
واستطاع أن يجره إليه ,ويفرضه عليه , بينما كان الروائي مشدودا إلى الوقائع التاريخية, دون أن يشدنا إلى حبكة الرواية التي ضاعت في تفاصيل الأسماء , ووقع حوافر خيول الولاة .

تقنية الرواية
استخدم الروائي اسلوب الاختزال …وذلك لجفاف مادة الأحداث التاريخية ..وكان بالتاكيد موفقا , فقد استطاع تغطية تواجد تسعة عشر واليا تركيا تعاقبوا على حكم اليمن او حكم مناطق منها , وكانت تقنية هذا التكثيف والإختزال قد قلصت من ملل القارئ غير المهتم بالتاريخ والباحث عن المتعة الفنية في الرواية,وفي نفس الوقت صورت باقتضاب , الولاة على كثرتهم واعطت فكرة واضحة عن عقلية ونفسية الولاة الذين تعاقبوا على الحكم ما بين الزاهد والحكيم والجشع و اللئيم .والصالح والطالح واوضحت الكر والفر الذي لازم فترتهم مع القبائل , والمرات الكثيرة التي اضطروا فيها للتفاوض مع الامام .

الوصف
يكاد الوصف أن ينعدم في الرواية, والوصف من أهم مقومات القصة والرواية
لأنك عندما تصف فأنك تخلق . تخلق مكانا , أو اشخاصا , أو أزمنة , أو حتى أحداثا ,,للوصف أهمية كبرى , وهو المسبار الذي يخبرنا كم تعلق هذا الروائي بروايته وكم هو قريب بروحه أو بعيد عنها , أتت الرواية جافة من الوصف
وبذلك فقدت مقوما هاما من مقومات فن القصة الأساسية ,

الحبكة :
هذا الطباخ الذي ابتكره القاص كان مدخلا جيدا وتقنية غيراعتيادية للسرد ,الطباخ الذي كان جده أحد المماليك الذي أبقى عليهم السلطان سليم الأول بعد دخوله مصر ,الذي استقر أحد أولاده في اسطنبول وتزوج تركية من عائلة كبيرة …كان بطلنا الطباخ هو أحد أحفاده …وكان جده كما أخبره الوالي أحمد مختار باشا قد تزوج من أرملة أحد القادة الكبار , وتركها حاملا تواجه مصيرها في صنعاء , قبل أن يغادر صنعاء بأيام قليلة .هنا كنت أتمنى على القاص لو أمسك بهذا الخيط وجعل فنية القصة تدور حول انسانية هذه الحالة بما صادفت من آلام الوحدة والهجر وتربية طفلها وحيدة .. ولربطها بأحداث أخرى حتى تاريخ وصوله شخصيا إلى صنعاء والتقائه بأحد أفراد هذه الزوجة التركية المنكوبة مرتين على التوالي بزوجيها …ربما لو خلق هذه الحالة الإنسانية لوجدت القصة أصداء أكثر ,وفنية أقدر …لكن… أملي خاب كثيرا ..حين وجدت الأمر قد خلى من الحبكة المثيرة هذه وركز على الأحداث التاريخية , وكأنه تناسى أنه يكتب قصة عمادها وقوامها هو التشويق واختلاق الأحداث التي ترسم عقد القصة عقدة بعد عقدة ..ليتم بعدها الإنفراج أو التعقيد …ولذلك فقد مضى غارقا في عالم الولاة وسرد تفاصيل أيامهم أكثر مما التفت إلى تقنية القص وبث روح الحماسة فيها, فجاء القص خاليا من لحظات التوتر .منسابا برتابة السرد العادي الذي غرق في التاريخ لكنه طفى على سطح القصة …

الخاتمة
كانت الخاتمة بالنسبة لي هي الأقوى والأكثر إثارة …بلقيس الرمز لليمن الذي قتل إمامه الجائر , فخلفه إمام أكثر جورا , بلقيس التي نشطت كثائرة , تحلم بالخلاص
وتجتمع مع الثوار , تكتب لهم المنشورات , وتحلم بالشمس القادمة معهم ,
لكن سöم الأتراك

قد يعجبك ايضا