الحوارية: شكل الخطاب الطقوسي

صدام نجيب الشيباني


صدام نجيب الشيباني –
لكل مجتمع طرائقه الثقافية في التعبير عن القضايا والمشاكل , وكذلك قدرته على الوصول الى الحلول منعا للصراع والحروب , هذه الطرق الثقافية تفتح قنوات الاتصال بين الأطراف المتواجهة في المجتمع , وتتعدد الطرق بتعدد الفئات الاجتماعية و الأحزاب والطوائف .
من هذه الطرق تخرج اللغات التي تعبر عن أصوات مستقلة , لها طابعها الخاص في فهم أساليب الحياة , وأساليب البقاء فيها , والوصول الى القوة , وفي حالة الاتصال تحضر الأصوات في سمات وعلامات تعكس أساليب إدارة الذات , مهيئة نفسها للقاء طقوسي , رسمي , يتم فيه عرض كل ما يخص الصوت الممثل والمتكلم , ليعطي انطباعا أوليا في المشاركة في الطقوس .
عند اجتماع الأصوات والممثلين للقضايا تتشكل حواريتان : 1- حوارية داخل الصوت , تجسد معها كل طرق التفكير في مبادئ الاختلاف داخل القناعات الفردية . تعمل هذه الحوارية على دمج الأفكار والتصورات التي تنشأ داخل الممثل , وربطها بالقضايا الخارجية , يكون معها الممثل مندمجا مع القضايا , يشعر بها , ويعبر عن حالته من خلالها , يخاطب نفسه قبل خطاب الآخرين , من أجل إنتاج صياغة موحدة , قائمة على المنطق اللغوي الذي يريد أن يوصل من خلالها القضايا باختصار شديد . تكثف القناعات اللغة الى المستوى الاقتصادي الشحيح , في عبارات موجزة , تحمل في طياتها مضامين ثقافية ونفسية وسياسية .
2- حوارية خارجية : تقوم بترتيب منطق تصوري في ذهنية الممثل , تتداخل فيه الأفكار الناشئة عن الذات , والأفكار الخارجية التي يطرحها المحيط , أي قبل التداول وفرز الحجج , في إطار تنظيمي يديره العقل المحاور . يستعد المنطق التصوري لجعل القضايا مرتبطة بحركة اللغة وتفاعلها داخل عملية الإدراك , عبر التوالي الجملي , مع فتح قنوات اتصالية تتسع للتسلسل العلاماتي المركب , أي تمر مستويات اللغة ومحمولاتها عبر هذه القنوات , وهذا يعطي الممثل الرغبة في التكلم لأن آفاق التخاطب أوحت له بالشكل الخطابي الذي ستتم الحوارية عبره .
إن الملفوظ ودوائره الاتصالية يحشر اللغة المنطوقة في تراكيب لغوية مقصودة من المتكلم , تعبر عن بنى نفسية وذهنية , ويوظف الإدراك العلامات اللغوية حسب الحاجة الى طرحها في المستوى التداولي . تكثر الأسماء وفق منطق الأسماء ودلالاتها , وتكثر الأفعال , وتكثر الحروف , فالملفوظ يحمل في داخله دوال اتصالية وثقافية تعبر عن اللافظ بها , ويكون نطقا ثقافيا مستقلا في ذاته , ومشتركا مع من حوله في الحوارية , فيحمل بصمة الهامش والمركز , وقد يحمل بصمة هوية , وقد يعكس تناحرا اجتماعيا وسياسيا , كما هو مألوف .
تكون الحوارية شكلا من أشكال التثاقف , والخطاب الداخل في الحوارية خطاب طقوسي , تمارس فيه شعائر وعادات وسلوكيات , وهيئات , واساليب , يرتكز هذا الخطاب الطقوسي على قاعدة الاختلاف , وفيه تتجاور الأصوات وتتعدد , وتحتفل بحضورها بالكيفية التي تريدها أن تكون مصاحبة لمنطوقها . وعندما تعد الحوارية خطابا طقوسيا رسميا يحضر المدرك البصري مكملا المدرك السمعي , وتتحاور الأشكال الممثلة , بما فيها من هيئات , وألوان واحجام , لكسر الأحادية الإدراكية وبتوظيف الحواس في فتح قاعدة التداول بجعل الخطاب الطقوسي أكثر حيوية وشيوعية في التعبير عن نفسه .
ولأن الخطاب الطقوسي لغوي صرف تخرج الرؤى المتعارضة من الذوات المتعارضة , ويؤدي هذا الى اصطدام التصورات والأطروحات مع بعضها , مما يوقف مستوى تداولها , وقد يعيق الذات الممثلة من الحضور , بسبب تعارض الأصوات بلغة متمترسة ببنيتها المغلقة , فبعض الممثلين تكون لغتهم متوترة الى المستوى الذي يغلق قنوات الاتصال فيها , وتنحصر اللغة في المفردات المستفزة , ويثير هذا مواجهات لا حصر لها بين أعضاء الحوار , تكثر هنا حالات اللغة وتخرج عن مجال السيطرة عليها , وهذا كاف لإيقاف هذا الخطاب الطقوسي بسبب حدة المواجهة .
ولتجنب هذه المواجهة في تعدد الأصوات وتعارضها من المهم أن تكون هناك “نمذجة لغوية اتصالية ” تنطلق من وضع تصور لغوي , محصور العلامات يعبر عن القضايا والطلبات بصورة يسير وراءها كل الممثلين ليتجنبوا الصدام اللغوي الحاد , والمؤدي الى الشقاق والتنازع . وهذه النمذجة اللغوية يطرح فيها الممثل فكرته باقتضاب , دون إطناب وشتات .
وتكون هذه النمذجة اللغوية كالآتي : أنا …. ممثل ….. أريد : 1- ..2- ….3- …. أو أطلب تحقيق : ….,……,…. , ويتم تعميم هذه النمذجة من أجل تحاشي وقوع حدة في الاختلاف والنزاع , وتمتص حالات الاحتقان وحالات الشتات والجهل , في بعض الأصوات أو الأعضاء . وكذلك توفر حالة ارتخاء يتم فيها مناقشة القضايا دون تعصب أو شتم أو اتهام لأي طرف . ولكي يكون الخطاب الطقوسي ناجحا لا بد من تجاوز الحالات الخطابية الآتية :
– حالة التعليق :
هذه حالة خطابية , يتم في

قد يعجبك ايضا