من فضلكم.. لا تطفئوا أنوار هذا المساء!

خالد الرويشان


 - المسرح جاهز ومعد والجمهور يتطلع صوب الستارة قبل فتحها بلحظات.. وعلى عكس مسارح الدنيا فإن الأنوار هنا يجب ألا تطفأ أبدا لا على المسرح ولا على الجمهور.. ولا حتى في الكواليس! إنها عشية افتتاح مؤتمر الحوار الوطني في اليمن!
خالد الرويشان –

المسرح جاهز ومعد والجمهور يتطلع صوب الستارة قبل فتحها بلحظات.. وعلى عكس مسارح الدنيا فإن الأنوار هنا يجب ألا تطفأ أبدا لا على المسرح ولا على الجمهور.. ولا حتى في الكواليس! إنها عشية افتتاح مؤتمر الحوار الوطني في اليمن!

هل تستطيع الدقائق المتبقية أن تحشد في الأرواح أجمل ما فيها¿.. حتى يشعر المتحاورون عöظم مسؤوليتهم التاريخية أمام شعبهم وأجياله القادمة.. وأمام أمتهم وأمام العالم الذي يرقبهم عن كثب متسائلا:.. هل سيرتفع المتحاورون إلى مستوى آمال الشعب في التقدم والعدالة والمساواة والحياة الكريمة مثل أي شعب محترم في العالم.. وهل سيصرون على الانعتاق من براثن الفساد وأسúر مصاصي دماء الشعب.. أم أنهم سيقعون في الحفرة المميتة.. حفرة الأنانية والذاتية وهاوية المناطقية وكمين المذهبية والحزبية البدائية ونار الصراعات التي لا تنتهي إلا لتبدأ!

كل شعب في الدنيا له مشاكله بما في ذلك الشعوب المتقدمة التي لم تصبح متقدمة رافعة رأسها بين الأمم إلا بعد صراعات طويلة وحروب قبلية ومناطقية.. وكنت أحب للمتحاورين أن يقرأوا تاريخ الشعوب والدول في دورةö وعي تاريخي قبل أن يستهل المؤتمر أعماله! كي يكتشفوا ويتأكدوا أن المواطنة المتساوية هي ذروة ما وصل إليه التقدم الإنساني.. وأن الاحتكام للقانون هو ما وحد كل شعب عظيم في العالم.. وليس غير المواطنة المتساوية والاحتكام للقانون ما يمكن أن يطفئ نيران الصراع بين أطياف الشعب الواحد في أي مكان في العالم كله.. هذا هو صمام أمان أي شعب وأية دولة.

إن الشعوب لا تولد متقدمة واعية مرة واحدة! فما كان للرئيس الأمريكي أوباما مثلا وهو الرجل الأسود أن يصبح رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية قبل عشرين عاما فقط بفعل الثقافة العنصرية. هل تتذكرون جيسي جاكسون القس الأسود الذي رشح نفسه للرئاسة في ثمانينيات القرن الماضي.. وسقط في الانتخابات!.. حينها قال الرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون متأسفا:” إن جاكسون أفضل مرشح للرئاسة عرفته الولايات المتحدة!” لكن الشعب الامريكي أسقطه! بفعل ثقافة عنصرية كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة في ثمانينيات القرن العشرين ولتتغير بعد ذلك هذه الثقافة العنصرية في مطلع القرن الواحد والعشرين.. لقد تغير المجتمع الذي كانت مطاعمه في بعض الولايات قبل خمسين عاما فقط تعلق إعلانا على أبوابها بأنه “ممنوع دخول السود والكلاب!” لقد أصبح كل ذلك الآن مجرد تاريخ وذكرى بائسة! فالشعوب العظيمة تتعلم وتتقدم.. وتتغير ولا تتراجع أو تنتكس.. بل تطير بأجنحة العزم وتصل حتى إلى المريخ! وقد وصلت!

هناك شعوب أخرى ما تزال حبيسة صراعاتها.. تقتل نفسها بأنياب التعصب وتنهش لحمها بأسنان الأثرة والأنانية ومخالب زعماء العشائر والمناطق والقبائل والمذاهب والنهب والسلب.. شعوب لا تعرف هدفا في الحياة إلا التقاتل والصراع ولا تكف عن ذلك حتى لو ماتت جوعا! وأمثلة هذه الشعوب كثيرة في العالم الثالث والرابع وما دون ذلك إذا أردت!

وهناك شعوب اختصرت تاريخ التطور البشري وأصبحت في غضون عشرين عاما فقط من مصاف الدول الكبرى رغم ثقافاتها المتعددة وقومياتها ولغاتها المتباينة مثل الهند والبرازيل والصين.. وعندما تبحث عن الأسباب الرئيسية في هذا التقدم رغم تباينات هذه الدول وتناقضاتها.. ستجد أن استقرار هذه الشعوب هو محصلة المواطنة المتساوية والاحتكام للقانون.. فلا تقدم بلا استقرار ولا استقرار بلا مواطنة متساوية وعدالة حقيقية واحتكام للقانون.

لا أستطيع أن أقول كل شيء قبيل اللحظة الأخيرة! فالمخاوف كثيرة والهواجس عديدة! والحيز يضيق! وحسبي أني أشرت إلى مفاتيح لأبواب وأقفال وقضايا.. أبواب مستقبل وأقفال عقول وأرواح وقضايا شعب ومستقبل أجيال.

قد يعجبك ايضا