الحوار الوطني وتسوية الملعب السياسي!!
عبدالرحمن سيف إسماعيل
عبدالرحمن سيف إسماعيل –
في اليمن هناك مشكلات كبيرة وكثيرة تتمثل بغياب الدولة والمؤسسات الوطنية الفاعلة.. يرجع تاريخها إلى ما قبل قيام الثورة السبتمبرية في عام 2691م ويترتب على هذه المشكلات المركزية تعقيدات لا يمكن حلها إلا عن طريق الحوار الوطني الشامل والمسئول. ومهما كان حجم هذه المشكلات وتعقيداتها إلا أنها ستحل بالتأكيد من قبل الحوار الوطني الموضوعي الشفاف بين مختلف أطراف العمل الوطني الديمقراطي.
فمنذ سبتمبر 2691م وتعدد أطراف الصراع السياسي والاجتماعي وما ترافقه من تصفيات جسدية متعددة وإقصاء لأطراف فاعلة في الثورة والمجتمع داخل البلد في دوامة مستمرة من العنف والعنف المضاد وهذه عملية طبيعية لتعدد الأطراف والدول الداعمة للقوى التقليدية التي تقود ثورة مضادة للتغيير والتحديث.
ورافق هذه الأعمال عمليات حوارية مستمرة ومؤتمرات شعبية أرادت حسم الصراع لصالح القوى التقليدية التي ما تزال قوية ومؤثرة. ولكن هذه القوى نجحت في الانقلاب على الثورة وإجراء مصالحة وطنية مع القوى الملكية في مارس 0791م والتي كانت تتحكم بأكثر من ثلثي البلد.. فيما استبعدت القوى اليسارية والقومية والوطنية الأخرى عن أي حوار وطني.
وهذه النتائج قادت إلى صراعات جديدة وأعمال مسلحة سقط على طريقها مئات الآلاف من الشهداء ودمرت فيها آلاف المنازل ومئات القرى والتجمعات السكنية في المناطق الوسطى ومناطق تعز وريمة وعتمة ووصابين ورداع وأرحب وبني يزيد. وغيرها من المناطق والمحافظات التي كانت مسرحا للصراعات الدامية ولكن الحوار كان يجرى على أساس السلطة والمعارضة كمعادل سياسي لها. وبعد 76 – 0791م.. انتقل الحوار من السلطة التقليدية التي كانت جزءا من المعارضة التقليدية والمعارضة التي تطالب باستعادة العرش الإمامي.. أي أن الحوار في هذه المرحلة كان يجري بين السلطة والملكيين فقط الذين كانوا يقودون حربا مسلحة ضد النظام الجمهوري وبعد 4791م.. أصبح هناك سلطة عسكرية ومعارضة يسارية وقومية ولكن الحوار الوطني الذي نريده الآن مختلف كثيرا.. أطرافة الأحزاب والتنظيمات السياسية والاجتماعية والقاعدة الشعبية وأطياف سياسية وثقافية وأكاديمية مختلفة إلى جانب العمال والفلاحين والمرأة والطلاب والشباب ومختلفا لتكوينات الاجتماعية والهدف الأساسي من هذا النوع من الحوار هو تغيير النظام السياسي وإعادة النظر في أسلوب بناء الدولة وإيجاد علاقات اجتماعية جديدة تحكم المجتمع والدولة وفق دستور جديد يأخذ بالمركزية السياسية والمشاركة الشعبية في المرحلة السابقة شهد البلد تدميرا شاملا للقيم الاجتماعية والأخلاقية الشاملة وانتشر الفساد في مختلف مفاصل الدولة وأصبحت الدولة عبارة عن جابية للضرائب والرسوم لا تقدم أي خدمات للناس.. بل أصبحت عبئا على المجتمع.. ولهذا خرج الناس إلى الشارع مطالبين بإسقاط النظام وإيجاد دولة بديلة تحقق العدالة والديمقراطية وتحترم حقوق الآخرين.. وتتمتع بقوة الحضور والبقاء والاستمرارية.
والحوار يجري هنا على قاعدة بناء دولة مدنية ديمقراطية بمفاهيم عصرية جديدة. وإنجاح الحوار من أولوية اهتمامات مختلف المكونات السياسية والثورية والاجتماعية.. مرتبط جدليا وموضوعيا بحل المشكلة الجنوبية والاعتراف بفداحة الظلم الذي وقع على الجنوبيين مما أدى إلى حالة من الاحتقان والإسفاف بالمظالم.. والاعتراف بهذه القضية والاعتذار المباشر للناس وإعادة حقوقهم وممتلكاتهم المنهوبة مقدمة لإحداث تسوية وطنية مقبولة اجتماعيا. وهذا بدوره سيؤدي إلى إرساء ثقافة الحوار والحب والتسامح واحترام الرأي والرأي الآخر.
وهناك قلق ومخاوف كبيرة من فشل الحوار ونجاح هذا الاستحقاق الوطني الكبير نظرا لعدم حسم الانقسام في الجيش والأمن وعدم سحب هذه القوة من أيدي القلة العابثة بأمن واستقرار البلاد.
فتسوية الملعب السياسي شرط أساسي من شروط نجاج المؤتمر والاعتراف في الجنوب كشريك في المشروع الوطني وليس تابعا.
فلا تزال هناك قوى نافذة وفوضوية من أنصار النظام القديم تمسك بمفاصل القوة العسكرية والاجتماعية والمال والسلاح.. وهذا ما يهدد بقتل الحوار وبناء الدولة التي ضحى من أجلها كافة فئات الشعب.