قرى اليمن المعلـقة.. أعشاش طيور يسكنها البشر
استطلاعمحمدمحمد إبراهيم

استطلاع/محمدمحمد إبراهيم –
(فوق الجبل/ حيث وكر النسر.. /فوق الجبل.. / واقف بطل.. /محتزم للنصر .. / واقف بطل.. / يحرسú أمل شعبú فوق القمة العالية..)
لم يعد وحده وكـــر النسر يعتلي صهوات الحيود والشوامخ فقد تسابق اليمنيون إلى شم الشماريخ العالية من الجبال منذ القدم وإذا كان النسر يصنع بيته من قش فإن اليمني يصنع بيته من صلابة الصخر وعنفوان قسوة الطبيعة متسلقا بمواد البناء طرقا نحتها في صخور الجبال وليس غريبا أن يلتقط الشاعر اليمني الكبير مطهر الإرياني هذه الصورة لحياة النسر ويسقطها على الجندي كشخص محوري في حماية الوطن بإنسانه المترامي على الهضاب والتلال والسفوح بل والحيود العالية – مقصدنا في الاستطلاع المكوكي- لتزداد الصورة نصاعة في ذهن المجتمع اليمني والعربي القارئ –فقط-لمكانة الجندي فهو الموغل في الإلمــام الموسوعي بالثقافة الشعبية واللهجات اليمنية « الحميرية والسبئية -تاريخيا- واللهجات المختلفة الأكثر اتكاء على أصول اللغة العربية الفصحى -جغرافيا – عبر خارطة اليمن وشبه الجزيرة العربية.. قد يكون من المهم
في هذا المقام الإشارة إلى أن الارياني ينتمي إلى «اريان» أجمل القرى اليمنية المعلقة في نواصي الشوامخ.. وأحد أبرز هöجر العلم.. لكن الأهم هو كيف علق اليمنيون قراهم في تلك الشواهق¿¿!..
على مدى العصور الغابرة لم يدر اليمنيون إنهم ينحتون في قمم الجبال لوحات في منتهى الإبداع يقف عليها ذهول الأجيال مستذكرا بأسهم الشديد يجتمع لبناء حصون في معارج الجبال الوعرة.. يبدأ هذه الاجتماع بنحت الصخور ونقلها على أكتافهم من مسافة بعيدة وعقبات وعرة وشاقة زادهم ووقودهم فيها الاتحاد والعزيمة و»الشاف» -المصنوع من الخشب وهو أشبه بالنعش- والحبال التي تشد الصخور على هذا «الشاف».. هذه هي ركائز عمل البناء لحمل أكثر الصخور صلابة بعد ترويضها ونجارتها بشكل معماري وهندسي بليغ القيم الجمالية والنفعية وحجم لا يقوى على حمله إلا أكثر من عشرين شخصا هكذا في كل منطقة يمنية تتشابك هذه العوامل منذ الأزل لتبنى القلاع والحصون في أعلى القمم الشاهقة وفي عملية أشبه بثلاث من أجمل الكائنات على وجه البسيطة وأكثرها حبا للعمل والتحصن والإخلاص.. فكالعصافير والصقور قبل التفكير بالتكاثر يسبق التفكير بالعشاش الأكثر أمانا وبعدا وعلوا في الأشجار والجبال فتجلب هذه الطيور مواد البناء من مسافات بعيدة لتنجز العش وتسكن بأمان وكالنمل يجتمعون ليحملون أحجاما لايطيقونها فرادى وكالنحل يبنون مجتمعا في خلية تسكن الصخور والحيود الشواهق جنتها العمل وجحيمها الكسل.. بهذه الطريقة بنيت القرى المعلقة في اليمن..
الغريب في عصر الجرارات والونشات الكهربائية إن هذا البناء لا زال صنعة وإبداعا يثير إعجاب الكثير من الباحثين من الناحية المعمارية المقاومة لعوامل التعرية والمقاومة للزلازل من خلال المرونة التي تتيحها استقلالية الوحدة الهندسية لكل ركن من أركان البيت وكذا ترابط الأركان مع الواجهات ترابطا مفصليا فيقاوم الزلزال بحركات طفيفة يحكمها الترابط المرن على عكس القوائم الإسمنتية والخرسانية فتعرض للكسر مباشرة محدثة انهيارا مفاجئا وبالتالي ليس غريبا على القلاع اليمنية التي تعرضت للتدمير المقصود وغير المقصود أن تبقى بعض أركانها شاهقة حتى اليوم رغم خراب بعض جوانبها..فهو التفرد في فنية وهندسة الكتلة العمرانية ذات الأجزاء المترابطة بمرونة تمكنها من تماسك بعضها البعض..
القلة.. نموذجا
في مديرية السلفية محافظة ريمة يعجز الوصف الذي كان يمكن أن تقدمه الصورة – في حال تم التقاطها بالمنطاد-لإحدى القرى المعلقة وسط جبال عزلة الأسلاف التي تتميز بالحصون التاريخية الممتطية صهوات الحيود.. تلك المنطقة هي قرية (القلة) التي ترتفع نحو (3000) متر تقريبا فوق سطح البحر.. والوصف الأقرب لتعريفها لا يتطلب أكثر من تلمس مسماه فالقلة مأخوذ من الرأس وقيل بالدارجة (القلة).. أو (القöلقöلة)..وهي رأس الـ(بني آدم) وقلة الرأس هي أعلى ما فيه وهذه القرية وضعت بإحكام على قلة رأس جبل ساهم في الارتفاع بمفرده.. حيث يستدير على قرن صخري متعدد النتوءات التي تزف المنازل مباخرا للسحاب غرúبه قاع زراعي واسع وعلى شرقه منحدر يتدرج كالهرم .. حتى يصل الضفة الغربية لوادي رماع.. وتتفرق في هذا المنحدر أذرع وأوتاد من التلال تعلوها القرى والمنازل والآكام التي تطل عليها القلة كظöلöة من الصلابة الصخرية الجرانيتية تعلوها خزف الهندسية المعمارية للقرية.. لا أبالغ.. فذاكرتي لن تنسى المشهد المهيب الذي شعرت كأني أهوى مع ا