قصة مدينة: كوكبان.. مدينة أرجوانية تعانق السماء
صالح البيضاني

صالح البيضاني –
على بعد 45 كيلو مترا من الشمال الغربي للعاصمة صنعاء وعلى ارتفاع 2800 مترا فوق سطح البحر تتربع على قمة جبل الضلاع مدينة كوكبان بحصونها وسورها والكثير من مآثرها التاريخية التي تجتذب السياح من مختلف بقاع الأرض..للاقتراب من تاريخ المدينة المدون الذي يعود لعشرات القرون حين كانت مركزا هاما لعدد من الدول اليمنية في التاريخ القديم الذي مازالت المدينة تحافظ على عبقه في كل ركن وزاوية من زواياها التي تنتصب على سفح جبل الضلاع ناشره لونها الأرجواني الذي يغلب على ألوان مبانيها .
وكمعظم المدن اليمنية القديمة يلف المدينة من احد جهاتها سور شامخ فيما تشكل العوائق الطبيعية بقية سور المدينة التي لايمكن دخولها إلا من بابها الوحيد المسمى (باب الحديد)المحتمي بقلعة (القشلة)التي بنيت في زمن العثمانيين.
تمثل مدينة كوكبان بمبانيها العتيقة التي حافظت على طابعها المعماري متحفا مفتوحا يجسد عظمة التاريخ القديم للمدينة التي مازالت تحتضن في طياتها جزءا هاما من تاريخ اليمن من خلال الكثير من المباني الأثرية المتمثلة في المساجد القديمة كمسجد (المنصور )الذي بناه الأمام عبد الله بن حمزة قبل حوالي عشرة قرون تقريبا كما يعد حصن كوكبان من أشهر المعالم التاريخية بالمدينة وهو حصن شامخ يتربع على سفح جبل المدينة عاليا كحارس للمدينة وقد ذكره العديد من الرحالة والمؤرخين العرب البارزين كأبي الحسن الهمداني وياقوت الحموي الذي قال بأن الحصن سمي كوكبان « لأن قصره كان مبنيا بالفضة والحجارة وداخلها الياقوت والجوهر وكان ذلك الدر والجوهر في الحصن يلمع بالليل كما يلمع الكوكب فسمي بذلك».. وقد اكتسب الحصن مكانة خاصة في نفوس أهل المدينة لأنه كان أحد الحصون التي قاوم اليمنيون من خلالها قوات الدولة العثمانية التي حكمت اليمن ..وقد ساهم البناء المعماري المحكم للحصن في تحويلها إلى قلعة حصينة اكتسبت سمعة واسعة في هذا الجانب حيث يتوسط الحصن باب خشبي عملاق مغطى بصفائح معدنية صلبة كما يعتلي الحصن عدد من الأبراج الحربية ومخابئ قذف السهام كما تم حفر نفق من داخل الحصن ينتهي في منتصف المدينة .. وتعكس قلاع المدينة عموما الأهمية الحربية للمدينة حيث يقال أن تلك الأهمية تعود لتاريخ الدولة الحميرية التي اتخذت المدينة حصنا ومخزنا لحفظ الحبوب كما اتخذها الأيوبيون حصنا لهم وكذلك فعلت الدولة العامرية قبل أن تصبح قاعدة عسكرية للقوات العثمانية بعد ستة أشهر من حصار أهلها.
علم وشعر وفن:
على مدار التاريخ اشتهرت كوكبان بكثرة العلماء الذين أنجبتهم وعرفوا بغزارة علمهم وتسامحهم وانفتاحهم وهو الأمر الذي وفرا مناخا جعل المدينة مركزا مهما للشعر والفن والأدب حيث ينسب الكثير من الأدباء والفنانين للمدينة التي تركت أثرا بارزا في تاريخ الأدب والفنون في اليمن وقد مثلت المدينة ذاكرة مفعمة بالحب حيث يقول فيها أحد شعرائها متغزلا:
جبل لم ترى سكناه بؤسا فلهذا لم تلق فيه عبوسا
قلت لما بدا بشكل جميل كوكبان على الصبايا عروسا
وقد كتب عن مكانة المدينة الإبداعية عدد كبير ممن زارها وتعرف عليها عن كثب حيث تقول الأديبة الأردنية سميحه خريس:»وكبان وما أدراك ما كوكبان حيث المجالس كلها فن وفرح يدور العود على الجالسين تباعا ليوقع كل جالس لحنا على الوتر ويشدو من كان صاحب صوت شجي ولم أجد في الدنيا احتراما ومكانة للعود كما في كوكبان وإذا كنا عرفنا الوقف يسخر للمشاريع الخيرية والإنسانية وربما التعليمية فإن في هذه القرية وقف يدعى وقف العود حيث يصرف ريعه على تعليم الصبيان أولادا وبناتا فن العود كما يصرف على رواتب المعلمين وتجديد الأوتار وصيانة ذلك الإطار الخشبي الذي يتصل بالوجد».
شبام كوكبان:
على الرغم من أنها تنسب إليها اسما إلا أن شبام كوكبان -التي يربطها بكوكبان سلالم حجرية طويلة تنحدر نزولا إلى شبام كوكبان-أخذت من الحظوة تاريخيا وسياحيا ما فاق بكثير مدينة كوكبان التي تشرف عليها ..كانت المدينة تسمى قديما
يحبس وهو اسم لحميري من نسل أقيال حمير وقد سميت بعد ذلك بشبام نسبة لشبام بن عبد الله بن حشم بن حاشد سكن شبام ويعود تاريخ شبام كوكبان كما يقول المؤرخون إلى حوالي القرن السابع قبل الميلاد وقد ورد ذكرها في أشهر النقوش اليمنية القديمة (نقش النصر)الذي دونه الملك اليمني كرب إل وتربن ذمار علي حيث ورد في النقشأن المدينة واحدة من مدن مملكة «نشن»التي استوطنها السبئيون بهدف توسيع رقعة الدولة السبئية ومازالت بعض ملامح الحضارات اليمنية القديمة بادية للعيان في المدينة كما هو الحال في الكهوف التي تملأ الجبال المحيطة بالمدينة إضافة إلى السدود والمدرجات القديمة ,ومن أهم معالم مدينة شبام كوكبان القديمة المجمع التعبدي في جبل اللو والذي تشير كثير من النقوش التي عثر عليها في جدران المباني الحد