قرر أن يموت

سهير السمان


سهير السمان –
الكل لا يرتاح لوجوده بينهم صراحته الزائدة في مواقفه مع الجميع لا تترك له مجالا للبقاء في الوجود أصبح غريبا عن بيته عن عمله عن كل ما يحدث حوله الألم الذي يشعربه الآن لا يطاق فضل أن يعتزل الناس وواقعه المرهق . ومع أول خيط لظهور الفجر بدأ يسير في الطريق المؤدية إلى خارج المدينة وصل
إلى منطقة تتناثر فيها المنازل بشكل متباعد لا يرى سوى سهولا ممتدة من سنابل الذرة جلس متكئا على ربوة يفكر فيما كان من حياته وما الذي أنجزه كل شيء معتم لا أولاده استطاعوا أن يحققوا مبتغاه ولا في عمله استطاع أن ينهي الفساد المتأصل ثار مرات عديدة وفي النهاية استسلم للمشاهدة عن بعد هل يترك كل شيء في حياته التي لم تجد عليه بشيء , بل أصبح ينحت في صخر لا أمل فيه
أمسك هاتفه الخليوي ليرى فيه عدة مكالمات كانت من منزله لعلهم قلقون عليه لأنه خرج من دون أن يعرف أحد بخروجه أخذ يفكر لو أنه مات هل سيفتقده أهله وأصحابه ومعارفه قرر أن يرسل رسالة لأهله بأنه قد فارق الحياة .
ضج منزله من خبر موته وعلا صوت الصراخ والعويل تجمهر جيرانه وأصدقائه صوت المقرئ الحزين أضاف لوعة الفراق جنازته التي خرجت من المنزل استجذبت أناس يراهم لأول مرة كانت أحاديثهم تقرع أذنيه وكلها مدح في أخلاقه وصبره على المكاره ووقوفه مع المظلومين ونصرتهم يسمع حديث أحد زملائه الذي كان لا يسانده أبدا في مقارعة الباطل وهو يقول : لقد كان رجلا عظيما ويقف لوحده أمام المتلاعبين بحقوق الموظفين ويؤدي عمله على أكمل وجه .
وآخر يقول: حتى أنه كان لا يقبل رشوة من أحد ولا يتملق لكسب مصلحة .
وهذا أحد جيرانه يعترف : كم كان يحب جيرانه ويبتسم في وجه كل من يقابله. هو من تصدى لعاقل الحارة حين استقطع من الضمان الاجتماعي للأسر الفقيرة .
ويفاجئه صوت ابنه وهو يهمهم لأخيه : من سيمنعنا من السهر والنوم حتى ساعة متأخرة ويحاسبنا إذا قصرنا في استذكار دروسنا أو الاهتمام بأمور البيت آآآهيا أبي ! ذهبت وذهب نورك من حياتنا
لم يصدق ما يسمع وهو محمول على نعشه ما الذي حدث بعد موته ¿ ما بال هؤلاء يكتشفون حقيقته بعد موته وتلهج ألسنتهم بالدعاء له . كان يحاول النهوض ليعود إلى الحياة ولكنه لم يكن يرى أمامه سوى سنابل الذرة وتلك السهول الواسعة ويسمع تراتيل وأحاديث المشيعين .

قد يعجبك ايضا