تصويرالحدث في مجموعة ( لأنها )
عائشة عبدالله المزيجي
عائشة عبدالله المزيجي –
الطبيعة كمكان وكأحد عناصر القصة تمكنه الانزياحات من الخروج عن النمطية ومدلول المكان إلى مدلول مجازي لنراه الحدث نفسه حين نجده مرآة عاكسة نرى عليه أجزاء الحدث .
الطبيعة المكان والمحيط في قصص هدى العطاس تختزل الحدث, تأمل أقصوصة « أنين» وشخصية صفية التي «تنتظر ابن المدينة كنجما في مجرة بعيدة وداخلها يهمس : إنه شىء مختلف .. هيئته لا تشبهه الشباب القاطن في البلدة» (1) ص38
وتنتهي رحلة صفية ولهثها وراء ذلك الحلم بحدث ناسف لبراءة الحلم ومصداقيته , تتبنى الطبيعة عرض تلك الخاتمة « نهج الحمار وحملت الريح أصوات هديل الحمام عند الدروب المتعرجة للبلدة» (2) وإذا بصفية بعد شهرين تتمنى أن تفرغ وتلفظ ذلك المتكون المتكور الجديد في أحشائها .
ومن الأساليب الفنية توظيف الكاتبة المفارقة بين الريح الشديدة وأصوات الهديل العذب الرقيق وهي مفردات من الطبيعة مكنها المجاز من تأدية الدلالة كاملة . ولا غرابة في ذلك فـ « الصورة الفنية هي وسيط بين التجربة المختزنة والكلمات المعبرة , ويتصاعد دور الوسيط هذا إلى درجة انصهار التجربة المختزنة بالكلمات المعبرة « (3) .
وتأمل السرد التالي من أقصوصة « الجدران» « تنهض حورية …..فتحت النافذة مرددة لن أتزوج ابن عمي» (4) وأمام التصريح بالحدث سابقا تتبنى الطبيعة الإيحاء بالحدث ودلالته مجازا تأمل « صفق الطائر بجناحيه عندما على حين غرة وجد نفســه محاطا بجدران الغرفة التي دخلها عنوة إليها وربما اعتباطا في رؤيته وكدرويش انتفض يرتل بجناحيه مدائح للخروج … بحث عن نافذة مشرعة اصتطدم بالسقف الخشن « (5) , مشيرا السرد السابق عبر الاستعارة المكنية « يرتل مدائح للخروج « إلى طول محنة الشخصية وغلق أبواب الحلول أمامها مع « جدران , السقف الخشن « وهنا يبدو الراوي عليما بكل شىء وهو يعرف مسبقا وقبل الشخصية نهاية تلك المحنة , يؤكد ذلك تتبع الراوي لحالة الشخصية وإيحائه بعمق ألمها مع الفضاء اللامحدود المسور مجازا « لا يزال الطائر ينطح بهستيرية الفضاء المسور حين لم يهتد للنافذة , خر نازفا صالبا جناحيه المهوستين من الجدران إلى الأرض « (6)
المجاز والإشارة أداتان استخدمتا من قبل القاصة مكنتا المتلقي من عدم المرور بتفاصيل الحدث , وبهما عاش المتلقي لحظات ممتعة وهو يستنبط الحدث عبر الطبيعة التي هي المعادل الموضوعي للإنسان , وكلاهما الطبيعة والإنسان وجهان لعملة واحدة كما عبر تولستوي * , الطبيعة التي لوحظت مصدرا للقلق والشعور بعدم الاستقرار على غير عادتها حين تكون سببا في استرخاء الأعصاب عند مشاهدة مفرداتها ومحتوياتها .
(1)لأنها مجموعة قصصية , هدى العطاس , مركز عبادي للنشر , ط1 , صنعاء , 2006م , ص38
(2)نفسه , ص41
(3) الصورة البلاغية عن عبد القاهر الجرجاني منهجا وتطبيقا , د/ أحمد علي دهمان , ط2 , منشورات وزارة الثقافة , دمشق , 2000م , ص175 .
(4)المجموعة القصصية , هدى العطاس , ص
(5)نفســه , ص
(6)نفسه ,ص 25
* ينظر بناء الشخصية ,ص57 , نقلا عن تولستوي فنانا , د/ حياة شرارة , دار الطليعة , ط2 , بيروت , 1979م , ص107