الكتاب … وهموم النشر في اليمن
زيد الفقيه

زيد الفقيه –
إن الاشتغال في صناعة الكتاب مهمة من أصعب المهام التي يقوم بها الإنسان ومهنة سامية تهذب النفوس وتمد جسور التواصل بين الأجيال فالثقافة بمختلف مشاربها هي انسجام مع تكوين النفس البشرية وعندما تجسد احتياجات النفس البشرية في صناعة شيء أساسي لتهذيب وإنارة العقل البشري وتطويره فإننا نحقق رغبة تتوق إليها النفس وتأنس بتحقيقها.
وهذه الجوانب في التعامل إنما هي مرتكزات الإبداع والإبداع هو أساس تقدم وتطور البشرية ومن هنا تنبع أهمية صناعة الكتاب وإذا ما وقفنا وقفة جادة عند هموم ومشاكل صناعة هذا الكتاب في اليمن خاصة في ظل التقدم المعرفي وأوعية المعلومات الحديثة سنجد أنه لا يختلف حاله كثيرا عم هو عليه في الوطن العربي عامة حيث أصيب بالانحسار والانكفاء خلف أرفف المكتبات العامة والخاصة وهذه الإصابة لم تأت نتيجة قرار سياسي أو حزبي وإنما جاءت حصاد توجه عام لبروز بعض التوجهات المضادة للثقافة وبشكل جنوني عصفت آثار هذه التوجهات بالثقافة مما أوصل الكتاب إلى حالته المرضية التي هو عليها.
يأتي على رأس هذه التوجهات المضادة للثقافة التوجه المادي السيئ لمفهوم الامتلاك المادي والتعامل معه وساعدت على ذلك المظاهر الاجتماعية المتمثلة “بالتمظهر” والتفاخر حيث أفرزت تلك المفاهيم الشخصية المثالية في نظر المجتمع فقد كان الشخص المثقف في نظر المجتمع هو الإنسان المثالي الذي يحترمه الجميع ويكنون له كل التقدير والاحترام ويأتي المعلم على رأس هؤلاء الصفوة في مرحلة ماضية امتدت حتى منتصف العقد الثامن من القرن الماضي بعدها برزت شخصيتان أخريان هما شخصية الضابط والتاجر وإن كانا أميين لأن النظرة الاجتماعية تحولت من القيمة المعرفية إلى القيمة المادية وليس في اليمن فحسب بل في كثير من بلدان الوطن العربي.
والناشر في نظري –رغم دخوله تحت طائلة الشخصية الثانية- إلا أنه يتميز في تقديمه للبشرية وسيلة تقدم وتنوير وتطور لكن عندما ذهبت السياسات العربية إلى نقيض ذلك معتمدة سياسة القمع والتجويع والمصادرة الفكرية في سبيل الاستحواذ على السلطة وسيطر العسكريون على الأنظمة العربية ركدت الحياة العلمية والإبداعية في الوطن العربي عامة وكل هذا أدى إلى تهميش الثقافة نتيجة عدم تقدير الإبداع والمبدعين وبذلك نضب الفيض الإبداعي وتوقفت جوانب الخلق والإبداع لأنه حينما يتضاءل الواهج الإبداعي تنطفئ كل مصابيح التقدم في الحياة وللأسف أن القرار السياسي قد لعب دورا في اتجاه وأد الثقافة وأن بعض المثقفين الذين أوكلت إليهم مهمة الثقافة قد جنحوا لتنفيذ تلك السياسات وهذا يعد هما شائكا من هموم الثقافة في هذا الجزء من ذلك الوطن الفسيح.
وإذا ماعدنا لننظر إلى هموم الكتاب في الوطن كجزء جوهري لا ينفصل عن هموم الثقافة عامة سنجد أن هذه الهموم قد اشترك فيها عدد غير قليل من بلدان الوطن العربي فالكتاب قد أصيب بتراجع كبير في قراءته صنعتها عدة عوامل مجتمعة بالعوائق الاقتصادية والسياسية والاجتماعية فعندما ننظر إلى الميزانيات التي ترصد للمؤسسات الثقافية كأدوات مكونة لنواة الثقافة في البلد ومنفذة للسياسات الثقافية (الصحيحة) سنجد أن هذه الميزانيات لا تساوي قيمة تذاكر كطيران لسفر بعض المتنفذين بالإضافة إلى توظيف بعض الجهلة في مواقع التحكم بالمال العام مثل موظفي الشئون المالية وموظفي القوى البشرية الذين لا يدركون أهمية الثقافة وينم عن جهل وتجاهل القائمين على الأموال العامة لمسألة الاستثمار والتنمية البشرية فالتحدي الذي تواجهه اليمن جراء الأمية والتخلف أخطر ألف مرة من الفقر والسلاح لأن كل ذلك نتيجة طبيعية لسياسة التجهيل والتخلف والقارئ اليمني حينما ارتفعت عليه تكاليف الورق والطباعة وهبط الريال أمام الدولار هو وحده الذي كان عليه أن يتحمل هذا العبء خاصة في ظل سياسة تتعمد التجهيل والعزوف عن التثقف ورؤية المثقف كحالة نشاز في وسط تتصاعد أعلام الأمية فيه إلى العليا ويطغى فيه الماديون الذين لا يعرفون بديلا للتمظهر.
وأمام هذه الهموم عمد الناشرون في بلادنا –نقصد هنا بعض الناشرين الأهليين- إلى نشر الكتاب المدرسي التعليمي بعد أخذ كفالة المؤلف ببيع الكتاب على طلابه وهذا في نظرنا يعكس حالة التعاسة التي وصلت إليها الثقافة في بلادنا ولم يعد لقول المتنبي مكان حين قال:
أنام ملء جفوني عن شواردها
ويسهر الخلق جراها ويختصم
عوضا عن أن تلك الكتب قد صنعت خصيصا لهذا الغرض وهذا نوع من المسخ الثقافي والتعليمي كما توحي أيضا بعزوف القارئ عن الكتب وهذا العزوف مردة إلى عدد من الأسباب: منها ماذكرناه سلفا ومنها ارتفاع أسعار الكتاب مع شحة موارد المواطن مما جعله مخيرا بين توفير لقمة العيش الغالية وقيمة الكتاب المرتفع يضاف إلى ذلك الوقت الذ