عام من الحزن
–
فضل مبارك
عندما اشتد البلاء والهم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في السنة التاسعة للهجرة بفقدانه عمه ابوطالب وكان سندا وظهرا للرسول وزوجتة خديجة التي كانت الداعم والرفيق ,سمي ذلك العام بعام الحزن لما انطوت عليه ايامه ولياليه من احداث مأساوية آلمت سيد الخلق واثرت كثيرا على نفسيته و ربما – ادت الى احداث تغيير في مجرى حياته لما كان يمثله هؤلاء في حياة الرسول , قال تعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) وهذا مايتمثله نازحوا ابين اليوم في وضعهم. مرت سنة.. سنة أولى عذاب , سنة من الحزن والألم. سنة من التشرد والضياع والنزوح لعشرات الآلاف من ابناء ابين (خصوصا مديريتي زنجبار وخنفر) لا يسهر الليل الا من به ألم لكن الألم عندما يتجاوز حدوده يصبح قاتلا بلا رحمة ,بلا شك ان آخرين يبدون تعاطفا مع النازحين وقد يصل حد الشفقة احيانا , لكن مهما بلغت درجة احساس الأخر بالم صديقه فإنها لا تصل حد الشعور والإحساس بوقع الالم ووطأة المعاناة ,هل يدرك احدا كيف هي معاناة النازحين ومقدار الالم الذي يعتصرهم كل رمشة عين, وكيف تسير لحظات ودقائق حياتهم .
كان الاعتقاد لدى النازحين ان الخروج من ديارهم لأيام لن تتعدى الاسبوع ,لذلك لم يحملوا الا اجسادهم الثقلى بهم الغبن والانكسار وذل الهزيمة لقوات الأمن والجيش ,خرج معظمهم حفاة عراة , وكان هاجس الاطفال اكثر انسيابا وهي مجرد رحلة الى شوارع عدن او شواطئها ,وكم هي قمة حلم اطفال ابين ان يقوموا برحلة الى عدن بين الحين والآخر ,لازال وقع كلمات ابنتي (آيات) يحبطني ويزيدني الما فوق آلم.. وهي لاتتورع ان تردده على مسامعي بين الحين والاخر مع احتقان قدر كاف من الدموع ,حينما حشرت اسرتي في السيارة تحت هدير الدبابات وصوت المدافع ولعلعة الرصاص وتساقط الشظايا واحجار منزل جارنا الذي اصيب من القصف العشوائي كانت تقول : 0باقي لعبتي.. ياباه ارجوك بدخل (البيت) اجيبها هدية عيد ميلادي) لا اتذكر سوى اني نهرتها بكلمات قاسية ولم التمس تضرعها ولم تستطع دموعها التي انهمرت لحظتها – ولازالت – ان تذيب صخر قلبي فقد كنت مهموما بالبحث عن طوق امان ومخرج سالم كباقي الأسر التي تعثر بعض افرادها لسبب أو لآخر فوقعوا فريسة رصاص المتحاربين .
لم يجرب احدكم ان يترك – قسرا – ولعام كامل منزله وكل ما يملك من شأن حياته ومتعلقاتها ,ان تهجر من وطنك (وبيتك يعتبر وطنك ومدينتك تعد وطنك) بالقوة لامر لاناقة لك فيه ولاجمل ونتيجة موضوع يصعب عليك وعلى كثير من المحللين والنقاد تفسير وايضاح تفاصيله ودواعيه وملابساته ومبرراته حتى اليوم , وتجد نفسك بليدا تائها لاتدري: لماذا ومماذا وعلى كيف وليش وايش السبب ومنهم اعداؤك الذين طردوك وتسببوا في نزوحك وايش حكايتهم ومن هم المحاربون ولاي جهات ينتمون ,واي ذنب اقترفت لتدفع وزر غيرك وتصبح وقودا وحطبا لنار تحرقك بطيئا بطيئا ,فيما يشعر بدفئها خصوم لك مجهولون يستفيدون من كل شرارة تطير منها وتحرق جسدك بتحقيق مطامحهم ونزواتهم ايضا , قال محمود درويش في