تحليل المحلل السياسي‮ ‬

يوسف أبو لوز

يوسف أبو لوز –

بعض المحللين السياسيين العرب الذين‮ ‬يظهرون على شاشات التلفزيون على وجه الخصوص‮ ‬يحتاجون إلى تحليل‮ ‬بدءا‮ ‬من تحليل الدم وحتى تحليل الأدمغة والأفكار والأيديولوجيات المزمنة التي‮ ‬ينتمون إليها‮ ‬وانتهاء بتحليل اللغة التي‮ ‬يتحدثون بها‮.‬
وآخذ النقطة الأخيرة فقط‮ ‬وهي‮ ‬اللغة‮ ‬واللغة هنا هي‮ ‬العربية التي‮ ‬يمزقها بعض هؤلاء المحللين أو المعلقين السياسيين أيما تمزيق بأخطاء فادحة على الهواء مباشرة بلا دوبلاج وبلا ماكياج وبلا منخل لغوي‮ ‬فالكلمة التي‮ ‬تخرج من الفم لا تعود إليه لتصحيحها‮ ‬وإن كان من حسنة رائعة للبرامج الحوارية والتحليلية التلفزيونية التي‮ ‬تجري‮ ‬على البث المباشر‮ ‬فإنها تكشف عن أمية مرعبة تتعلق باللغة وفلسفتها وجمالياتها‮ ‬وتظهر هذه الأمية بصورة معيبة من جانب محللين ومعلقين سياسيين معتبرين في‮ ‬حقل الإعلام والكتابة‮ ‬فإذا بهؤلاء على الهواء‮ ‬غيرهم تماما‮ ‬على الورق‮ .‬
المشكلة هنا مزدوجة‮ ‬فالخطأ في‮ ‬استخدام اللغة من حيث النحو والصرف لا‮ ‬يسيء إلى هوية اللغة وشخصيتها فقط‮ ‬بل‮ ‬يقلب المعنى السياسي‮ ‬والثقافي‮ ‬والفكري‮ ‬الذي‮ ‬يدافع عنه المحلل أو المعلق‮ ‬وبكلمة ثانية‮ ‬من دون أن‮ ‬يدري‮ ‬هذا المسكين وعندما‮ ‬يخطئ في‮ ‬اللغة‮ ‬يضع الحجة السياسية عليه‮ ‬لأن المفعول به مثلا‮ ‬لا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يكون فاعلا‮ ‬والنصب اللغوي‮ ‬يختلف كليا‮ ‬عن النصب السياسي‮ ‬والجار اللغوي‮ ‬لا‮ ‬يشبه أبدا‮ ‬مجرورا‮ ‬سياسيا‮ ‬إلا في‮ ‬مثل هذه الحالات الحوارية التحليلية العارية‮ ‬وأقصد بالعارية حدوثها مباشرة على الهواء التلفزيوني‮ ‬الذي‮ ‬لا‮ ‬يرحم‮ .‬
كيف أفهم أن مثقفا‮ ‬سياسيا‮ ‬ينطلق من منبر معين ويدافع عن نظام سياسي‮ ‬أو أيديولوجية أو حتى‮ ‬يدافع عن ثورة سياسية وإصلاح سياسي‮ ‬وفي‮ ‬قلب دفاعه هذا عش من الأخطاء التي‮ ‬يتصبب لها جبين طفل عربي‮ ‬في‮ ‬الابتدائية‮ ‬يتعلم في‮ ‬الصباح وهو على مقاعد المدرسة شيئا‮ ‬من قواعد اللغة‮ ‬ثم في‮ ‬المساء‮ ‬وعلى شاشة التلفزيون‮ ‬يجد هذا‮ «‬الشيء اللغوي‮» ‬مقلوبا‮ ‬رأسا‮ ‬على عقب¿
ألا‮ ‬يشكل هذا الوضع الغريب نوعا‮ ‬من الفصام أو الشيزوفرينيا الثقافية بالنسبة إلى هذا الطفل الذي‮ ‬يجد نفسه متأرجحا‮ ‬وحائرا‮ ‬بين الخطأ والصواب¿
هذا التساؤل الطويل لا‮ ‬يجيب عنه لا السياسي‮ ‬ولا اللغوي‮ ‬والأغلب أن الإجابة الوافية عند عالم اجتماع هادئ الأعصاب‮ ‬يربط بين لسان الإنسان العربي‮ ‬ودماغه وطريقة طرحه لأفكاره التي‮ ‬يتبناها‮ ‬وتلك التي‮ ‬هو ضدها‮ .‬
وباختصار شديد‮ . . ‬ما أحوجنا في‮ ‬هذه‮ «‬الكلمات السياسية المتقاطعة‮» ‬المتشابكة والملتبسة‮ ‬إلى تحليل نفساني‮ ‬أيضا‮ ‬وبعدها‮ ‬يمكن للغة البشرية التي‮ ‬تميز الإنسان عن الحيوان أن تكون صوتا‮ ‬للحوار‮ ‬لا صوتا‮ ‬للخوار‮ .‬
دار الخليج‮ ‬

قد يعجبك ايضا