بما يتعدى السياسة . . مصارحة للشباب

محمد جابر الأنصاري

محمد جابر الأنصاري –
قام الشباب بمعظم الحركات التي عرفت بحركات “الربيع العربي” وسيطرت “الجماعات المنظمة” على معظم تلك الحركات من خلال الانتخابات لأنها كانت أفضل تنظيما من غيرها ولدي حديث صريح لشبابنا العربي الذي كان وقودا لتلك الحركات لكنه “خرج من المولد بدون حمص” وفاز غيره بالنتائج والثمار .
ومن حسن الحظ فأنا لا أتعاطى بالسياسة وليس في نيتي النزول في أي انتخابات لذلك أستطيع مصارحة الشباب بالأخطاء والنواقص التي تعتريهم إذ لا أحد يجرؤ من المقبلين على الانتخابات والسياسيين والإعلاميين على مثل هذه المصارحة0 فهؤلاء يشعرون أن عليهم مجاملتهم ومداراتهم وإلا فقدوا الحظوة التي يريدونها لديهم0
ولقد أعجبني تقرير في “الأهرام” المصرية بعد شهور من نجاح الثورة بمصر عن ندوة خلاصتها: إن أجهزة الإعلام المختلفة كانت “تنافق” رجال الحكم والسلطة قبل قيام الثورات وإنها صارت “تنافق” الشباب بعد قيامها . وهذا صحيح . ثمة “نفاق” للشباب سيوردهم ويورد الأوطان معهم موارد التهلكة .
ومن زاوية معينة لا يمكن توجيه اللوم للشباب فقد واجهوا منذ نعومة أظفارهم أنظمة قمعية مزمنة فاسدة كان لا بد من الثورة عليها وهنا نصادف أول خلل في “المستوى المعرفي” بين الجانبين . فالشباب عفويون لايملكون معرفة بما وراء الكواليس . وتلك الأنظمة القمعية أنظمة مصالح وأجندات خاصة سخرت لأغراضها بمختلف الوسائل بحيث ضحت برأس النظام وتركت النظام قائما دون مساس . وانشغل الشباب وهم “يحتفلون” برحيل أو سقوط رأس النظام وتصوروا أن الأرض بعد ذلك ستدر لبنا وعسلا فلما استيقظوا على الحقيقة المرة صاروا يسبون ويشتمون بما يتجاوز الحدود وأصبح الأصدقاء يعاملون كأعداء .
وثمة “ظاهرة شبابية” في طريقها لأن تصبح ظاهرة عامة . نقرأ لخالد سلمان الكاتب العراقي الكردي عن “الإيمو” في بغداد . و”الإيمو” تعني النفس الحساسة والتمرد الصادر عن العاطفيين وهي حالة ظهرت في المجتمعات الغربية في أمريكا الشمالية تحديدا منذ سنوات عدة نظمها شباب من كلا الجنسين وسموها بذلك وأطلقوا على أنفسهم لقب “أصدقاء الشيطان” ومن أفكارهم الغريبة الحزن والتشاؤم والاكتئاب والصمت والخجل ورسم الوشم وارتداء الملابس السود والقاتمة والسراويل الضيقة جدا ووضع أغطية المعصم .
ثمة شباب في بلادنا بعيدون كل البعد عن هذا السلوك ولكن لا بد من دراسة المؤشرات الجديدة المقلقة وفهمها .
إن أولى “نقاط الضعف” التي تعتري شبابنا العربي عزوفه عن الثقافة العامة واعتماده التقنيات الحديثة في التواصل وهي لاتسمن ولا تغني من جوع وتحتاج إلى ثقافة وعلم للتمييز بين موادها المتباينة .
أقول ذلك وأنا لست منتميا إلى جماعة محافظة فقد كان جيلنا الجيل الذي نشأت معه جيلا “ثوريا” بمعنى الكلمة وكانت الثقافة العامة التي نستقيها من بطون الكتب ومن قراءاتنا الحرة تعيننا على فهم الأوضاع المحيطة بنا . ويقال إن الشباب لم يفقد صلته بالكتاب والدليل الإقبال على معارض الكتب فهل يقتني شبابنا الكتاب للزينة فقط¿
إن التمرد من أجل التمرد والثورة من أجل الثورة والرفض من أجل الرفض كل ذلك يمثل حالة مرضية غير صحية . لابد أن يكون ثمة “مشروع” سياسي وراء ذلك كله . هذا ماتوصل إليه جيلنا بعد طول معاناة وبعد تكاثر الهزائم و”النكسات” .
بعد نكبة 1948 في فلسطين كان هاجس جيلنا التغيير في حد ذاته . وكان الاعتقاد الخاطئ أن الهزيمة وقعت أساسا لأن القيادات لم تكن في مستوى التحدي . لذلك فقد صفق جيلنا طويلا لانقلابي تافه هو حسني الزعيم قام بانقلابه العسكري في سوريا عام 1949 . وكان الانقلاب لايتعلق بمواجهة “إسرائيل” بل كان متعلقا بخلفية الصراع الفرنسي – الانجليزي في المنطقة . ومن يترأس الاتحاد العربي المزمع بين العراق وسوريا هل هو العراق الواقع تحت النفوذ البريطاني أم سوريا الواقعة تحت النفوذ الفرنسي¿
وظل الناس في المنطقة يرحبون بأي تغيير من أجل فلسطين متنازلين عن حرياتهم وامتيازاتهم الأخرى فلما تبلورت التطلعات العربية في “المشروع القومي العربي المصري” عام 1967 تقرر ضربه وإجهاضه هكذا كان ومازلنا ندفع الثمن رغم التضحيات المصرية والعربية التي بذلت في حرب أكتوبر 1973 .
إذن لابد من معرفة الحقيقة والاستعداد للمواجهة عندما تنضج الظروف . أما الرفض من أجل الرفض فلن يؤدي إلا إلى مزيد من الكوارث . . .
ثم إن انتشار اللجوء إلى الانترنت لدى الشباب يفاقم المشكلة بدل أن يحلها: ” . . .أصبح الأفراد في مجتمعات الاتصال محاصرين في زواياهم المنعزلة وفقدوا حس الاتصال مع الآخرين . . ويمكن اعتبار الهوس الاجتماعي شبه المرضي بالاتصال بالمجتمعات الحديثة تعويضا عن العزلة المهولة التي يعيشونها فضلا عن أن العزلة صنعت مجتمعات الاتصال المعاصرة من الأفراد ذرات معزولة . إن الثمن ا

قد يعجبك ايضا