دائرة الفعل.. والتشويش عليها

صدام الشيباني

صدام الشيباني –
في عام 1990م تم إعلان ” التعددية السياسية ” وما سميت “ديموقراطية ” داخل دولة الوحدة , وتم الانقلاب على كل شيء باسم كل شيء , بعد ان فتح الناس عقولهم لتقبل الوعي الجديد , وعي الديموقراطية والحرية لما يضمن مصالح المواطنين في الحياة الجديدة .
لقد كانت مرحلة التأسيس للفعل من أهم المراحل في اليمن خاصة بتوحيد الدوافع والأهواء والأمزجة لخلق رؤية موحدة من شمال الوطن الى جنوبه , وتقود الفعل الى مرحلة الانتاج والتسوية وتغيير المناخات الاجتماعية المتعددة , بتقريب الأهواء في رؤية وطنية واحدة , وتم القضاء على المنطلقات الفكرية التي تقف وراء الفعل وتعطيل الوصول الى أهدافه .
إن دائرة الفعل التي تم القضاء عليها هي العمل في المحيط الاجتماعي والنفسي والثقافي , لما يعمل على تقريب وجهات نظر الإنسان , وتطوير مهاراته في التفكير والأداء , فالفعل كما عرفه بارسونز : ( الفعل هو النسق ) , وهو مرتبط بتحقيق الغايات بالوسائل الممكنة مع وجود فاعل , والفاعل مقدم على الفعل في هذه الحالة , لأن الأمر يصب في مصلحته , ومن أجله يتم النظر الى نوعية الفعل .
وأنا أقصد هنا ( الفعل الثقافي ) وهو النشاط الذي يقوم به الفرد الذي يؤدي وظيفة المثقف , أي يقوم بالعمل التثقيفي في المجتمع عبر الخطابات الثقافية المباشرة , والمرئية والمسموعة , ويدخل في ذلك , الأديب , والشاعر والناقد , والكاتب والخطيب , واستاذ الجامعة , والحقوقي . فكل يقوم بدوره الذي رسمه في المجتمع . ويؤثر على شريحة لا بأس بها في تحويلها من مرحلة اللا معرفة الى مرحلة معرفية نسبيا .
والملاحظ أن الفعل الثقافي مدعوم بالتوجهات الفكرية والأيديولوجية , فالذي يقوم بالفعل يتناسى تماما ذاتيته , ويذيبها تماما بالتوجه الفكري , فلا يستطيع أن يتحرر من ذلك , ويصبح ناطقا بلسان الأيديولوجية ناسيا دور الفعل الموكل اليه والطاقات الفردية والدوافع الذاتية لتحرير العقل من الأوهام . في حين لا يكون الفعل فعلا الا إذا سار في الاتجاهات الفكرية التي تخلق مناخات الحرية والاختيار والديموقراطية .
ومنذ الفترة الماضية حتى هذه اللحظة تظهر فواعل بدوافع ذاتية ويحاولون ان يشقوا طريقا بمجموعة من الأفعال حتى إذا ما بدأت تتحرك بشكل مترابط لتكون نسقا يؤثر في حياة الفرد وسلوكه , تقوم عصابة ما وظيفتها الوقوف في وجه هذه الفواعل الثقافية بخلق صيغ موازية لها , لكنها بلا دوافع تؤدي وظيفة تشويش الفعل الثقافي , وهذا يخلط الأوراق الفاعلة وغير الفاعلة في المجتمع من أجل بقاء الأوضاع كما هي دون إحداث أي تغيير .
فالمفكر الحقيقي في الجامعة ينصبون له رجلا مصنعا لكي يسحب الأضواء منه , ويمدونه بالدعم المادي ليصبح رمزا تتحول الأنظار اليه , والشاعر الحر ذو الفكر المستنير يدفعون له مجموعة شعراء مسطحين لا يمتلكون رؤية ليأخذوا الدور التثقيفي بمضايقة الشاعر الحقيقي وجعله ينزوي في بيته , والحقوقي يزرعون له حقوقيا آخر ليواجهه ويهاجم توجهاته , وهكذا استمرت الحياة فالفعل المصطنع ثقافيا يوازي الحقيقي ويخرجه من دائرة التأثير والإشهار الى دوائر أقل خفوتا أو قل الهامش . وهذا ما يحدث الى اللحظة بتواطؤ النخبة المثقفة إذا كان هناك نخبة كما أزعم .
إن قنوات التطوير والتحديث داخل الوعي يتم التشويش عليها بمجموعة أفعال ليست من صميم الوعي السلوكي , لكنها مدفوعة الثمن على المستوى الديني والسياسي , والثقافي . لأن وظيفة التحول والتحديث داخل الفعل الثقافي من أخطر الوظائف فبإمكانها قلب الأمور تماما على الهيمنة ,وقد تم محاصرة وظيفة التحول بكل الآليات والتوجهات , ورصدها وكيفية عملها وتدميرها بالحروب المستمرة فكريا وعسكريا , ومع هذا تغيرت القيم الاجتماعية والثقافية وهذه بدورها غيرت التفكير وقنواته وغيرت الشخصية وأهواءها , من الايجابي الى السلبي ومن الانتاجي الى الاستهلاكي , وأصبحت هذه القيم عبئا على المواطن العام وعلى المثقف وعلى الدولة على السواء .
إن أهواء المثقف توافقت اليوم مع الأهواء الجمعية وصار المثقف يتأثر الى حد كبير بالبيئة التي يعيش فيها ويتحرك بحركة المجتمع , وهذا فعل سلبي لأن بصمات الفعل لا تؤدي الى التغيير الحقيقي , والأهم ان تكون أهواء المثقف تخالف تماما أهواء المجتمع حتى يصير للنفسي حضورا ملموسا في الاجتماعي , وإذا ما تعدد النفسي , خلق حراكا اجتماعيا يستوعب كل المتغيرات , ويخلق حالة ثقافية إنتاجية ذات طاقات جبارة , تؤتي أكلها فرديا واجتماعيا .
يتعرض الفعل الثقافي وفاعله للتشويش من داخل الفعل نفسه وذلك لارغام الفاعل على الدخول في تسويات مع المحيط , لمصلحة مراكز القوى التقليدية , فتبتز منه مواقف ويحشر في مقولات , ويحسب على شخصيات بسبب زلة لسان , او موقف غير محسوب , أو خطأ غير مقصود .
ولأن الجو الثقافي العام مرصود من قبل (الأصدقاء والعداء) والتصنيفات الضيقة , يتم إدخال الفاعل الثقافي دو

قد يعجبك ايضا