بين تهشم قناني‮ ‬الحكمة وإراقة زيت البصيرة

عبدالرحمن مراد

مقالة


عبدالرحمن مراد –

مقالة

وجدت شاعرا‮ ‬يتغاير ويكاد لا‮ ‬يشبه إلا ذاته ويبدو أنه نفض من على كاهله كل‮ ‬غبار التاريخ
‮❊ .. ‬قرأت الشاعر عمار النجار قبل سنين في‮ ‬مجموعته‮ (‬الصيرورة‮.. ‬شجرة تثمر فؤوسا‮) ‬الصادر عام ‮٢٠٠٢‬م وكنت حينها في‮ ‬حجة وكان أحد الأكاديميين العراقيين الذين‮ ‬يعملون في‮ ‬كلية التربية قد عبر لي‮ ‬عن إعجابه بالشاعر عمار قبل أن أقرأه وقبل أن نلتقي‮ ‬فيما بعد وحين قرأت مجموعته الآنفة الذكر وجدت شاعرا‮ ‬يتغاير ويكاد لا‮ ‬يشبه إلا ذاته ويبدو أنه نفض من على كاهله كل‮ ‬غبار التاريخ وتجرد من كل عوامل التأثير وترك كلمات الشعراء وقصائدهم وراء ظهره ليكتب نصه المتفرد والذي‮ ‬يشتغل على مشروع ثقافي‮ ‬كما أوحى تواتر الإصدارات فالقضية عند عمار النجار تكاد تنحصر في‮ ‬الإنسان وفي‮ ‬علائقه مع الآخر والطبيعة ومع الزمان‮ ‬‮ ‬ويكفي‮ ‬للوصول إلى تلك المسلمة الذهنية أن نتأمل عناوين مجموعاته الصادرة بدءا من‮ (‬الصيرورة‮ .. ‬شجوة تثمر فؤوسا‮) ‬مرورا بمجموعته‮ (‬الإنسان والفراشة‮ .. ‬طريق الإنسان‮) ‬وانتهاء‮ ‬بمجموعتيه الصادرتين حديثا‮ ‬وهما‮ (‬الرقص مع العجوز‮) ‬و(خطوات الرمادي‮) ‬وسوف نقف في‮ ‬هذه القراءة المتأملة عن مجموعته‮ (‬خطوات الرمادي‮).‬
والرمادي‮ ‬هنا هو الإنسان الواقف في‮ ‬نقطة الوسط بين البياض المطلق والسواد المطلق‮ ‬‮ ‬أي‮ ‬الخيرية المطلقة والشرية المطلقة وتعرفة المجموعة في‮ ‬المستهل قائلة‮: ‬إنه ذلك الذي‮ ‬إن توقف عن الجنون تهمشت قناني‮ ‬الحكمة وأهرق زيت البصيرة فهو المبدأ والمنتهى الذي‮ ‬نراه كل‮ ‬يوم ولا نأبه له كل‮ ‬يوم‮ ‬‮ ‬وقبل أن‮ ‬يرصد المؤلف هذا الإنسان الغامض الذي‮ ‬يزداد‮ ‬غموضا كلما قارب على التكشف والظهور نجده‮ ‬يومض إلى الخطوات قائلا‮:‬
‮(‬هذا كتاب‮ ‬يحوي‮ ‬ما أمكن العثور عليه من آثار الرمادي‮ ‬‮ ‬جمعت من منعطفات الأماكن وتلافيف الأزمنة والحصيلة لم تزد عن خطوات محدودة من مسيرة بلا حدود‮ ‬‮ ‬ولكنها تبقى ومضات نادرة خرجت من كنز لم‮ ‬يكتشف رغم أنه‮ ‬يملأ الأرجاء ثم تأتي‮ ‬الخطوات والتي‮ ‬بلغت مائة خطوة كل خطوة تستهل بحيثية‮) ‬تاريخية كما في‮ ‬قوله‮:‬
خلف سفينة نوح كان‮ ‬يجدف بقارب صغير
توقف الطوفان
وغار الماء في‮ ‬الأرض
ولكن الرمادي‮ ‬واصل التجديف
في‮ ‬الوحل وهو‮ ‬يتمتم‮:‬
من‮ ‬يجدف في‮ ‬ذاته‮ ‬يصل‮..‬
‮(‬المجموعة ص‮١١)‬
‮❊❊❊‬
فالجملة الشرطية في‮ ‬السطر الأخير هي‮ ‬مقصد النص وغايته وهي‮ ‬الخطوة التي‮ ‬دل عليها الرمادي‮ ‬الإنسان وقد أوحت أن القيمة المثلى والطاقة الكبرى تكمن في‮ ‬الذات التي‮ ‬إذا أحسنا صناعتها تصبح الغايات سهلة المنال ومن اكتشف ذاته وطاقتها استطاع الوصول‮.‬
وقد‮ ‬يبدأ النص بالتأمل في‮ ‬جزئيات الحياة وأبعادها الزمانية والمكانية والعلائقية مستخلصا ومضا من كل ذلك في‮ ‬السطر الأخير وقد جاء ذلك الومض مميزا في‮ ‬حجم البنط المكتوب به‮ ‬‮ ‬وهو أقرب إلى الحكمة وأقرب إلى الرؤية الفلسفية في‮ ‬أحيايين كثيرة‮ ‬‮ ‬وثمة خطوات تقترب من الصوفية في‮ ‬تجلياتها الكاشفة لما وراء المحجوب والمستور‮ ‬‮ ‬والنظام الجامع لخطوات عمار النجار هو الإنسان ذلك الكائن الرمادي‮ ‬الغامض المليء بالخير والمليء بالشر الذي‮

قد يعجبك ايضا