الازدهـار الـثـقــافـي

عبدالكريم المدي

مقالة


عبدالكريم المدي –

مقالة

لقد كان الزعيم المصري /العربي الراحل /جمال عبدالناصر مؤمنا أشد الإيمان بأن الإزدهار الثقافي والثورة الثقافية.المبنية على الوعي والاهتمام والتفاعل الكامل من قبل أبناء المجتمع عامةوالجهات المعنية خاصة .يؤدي في المجال الفكري المجتمعي /الجمعي ما يؤديه التصنيع الثقيل في مجال الصناعة والثورة الصناعية عموما ..
لكن في اعتقادي _ وفي هذا العصر والظروف تحديدا _ فإن أي إزدهار ثقافي في هذا البلد أو ذاك لابد أن يكون معبرا عن جوهر المجتمع وفئاته المختلفة واحتياجاته الإجتماعية والعصرية ..بحيث إنه لا يقتصر على فئة من الفئات أو مجال واحد من المجالات أو على مدينة من المدن أوعلى نخبة من النخب.. لأنه لايمكن أن ينجح أي إزدهار أوعمل ثقافي ما لم يكسر الحواجز الطبقية والعرقيةوالطائفية والسلالية والجهوية. بين كل شرائح المجتمع دون إنتقاء أو تحيز أو إقصاء لأحد..ولنا في هذا أن ننظر للنجاح المهول للمجتمعات العصرية ودول العالم المتقدم التي تمكنت من كسر جاجز الطبقية كثيرا وسنت القوانين المجرمة لأي سلوك أو لفظ عنصري/ طبقي بسبب اللون أو العرق أو الأصل..وقد استفاد من ذلك الكثير حيث خلق التنوع والتعدد مجتمعات متكاملة ومبدعة استفادت من كل الإبداعات والخبرات والعقول العلمية والمعرفية وغيره..حتى أنها فتحت أبوابها لما يسمى ب(هجرة العقول ) أي العقول العلمية والإبداعية وهيأت لمئات الآلاف من المبدعين والعلماء كل سبل الراحة والاستقراركي يتمكنوا في المساهمة بنهضة تلك المجتمعات..ولنا أن نستدل “فقط” ..بالولايات المتحدة الأميركية التي يوجد فيها من ذوي الأصول اللاتينية (40) مليون إنسان .. فيهم عشرات الآلاف من كبار العلماء والمخترعين والمفكرين ..
على أية حال.. وكون المثقف هو داعية حرية وعقلانية وسلام ووحدة.. فلابد عليه _ إذن _ أن يصلح الإعوجاجات والممارسات الخاطئة في مجتمعه التي تتناقض وما أشرنا إليه مسبقا..وذلك من خلال ما يطرحه من رؤى ومفاهيم وأفكار ..تتسم بالوعي والوسطية والحكمة والحجة والدعوة الصادقة إلى التسامح والحوار والعدالة الإجتماعية والمساواة والتنبيه بمخاطر الإرهاب والفردانية والإقصاء وتوضيح ما معنى أن هناك دائما خوف قادم من أدغال الجهل والتخلف.. ووضع المعالجات والمقترحات والتوعية الكفيلة بتحصين المجتمع من ذلك الخوف والمصائر المجهولة والإحتمالات المرعبة أيضا..
إن الحديث عن دور المثقف وما الذي يحتاجه المجتمع من ثورة وازدهار ثقافي هو حديث مشروع وهام جدا ..كما أنه يعبر عن ضرورةكبيرة وتطلع يهدف إلى استشراف المستقبل والتأسيس له من خلال إيجاد الضمانات التي تقدر العلم والفكر والثقافة والبحث العلمي .
لكن أن يظل المثقف والمؤسسة الثقافية ورأس المال في منأى عن صنع التحولات والعمل على رفض السلوكيات التي تنتمي للظلام والجهل والفساد ..فأعتقد إننا سنظل لا نرى شكلا للمستقبل المنشود الذي يتطلع إليه الجميع..
ولا شك _ أيضا _ أن الثقافة بمفهومها الشامل والذي أهم مافيه الشراكة والتكامل والإنسجام والتعاون بين أبناء المجتمع الواحد وذلك حسبما يرى المفكر العربي_(نبيل علي) بأنها المكون الرئيسي لأي نسق إجتماعي قوامه المعتقدات والقيم والتقاليد الحاملة للهوية ..ومن حيث كونها أيديولوجيا فذلك إنطلاقا من كونها منظار الفرد الذي يرى العالم من خلاله …وشفرة تحمل مقومات الحياة الدالة على جماعة ما..
أما الثقافة العصرية التي تقود إليها الثقافة بمفهومها الشامل ..الذي سبق وذكرناه ..فتعني أن المثقف ودوره في المجتمع يتصدى للقتل والفساد والكراهية ودعوات الفوضى وقطع الطرقات وبالمقابل رفد المجتمع بمفاهيم قانونية وأخلاقية وإنسانية ترفض القبلية والعشائرية والجهوية والأيديولوجية بصورها التي تأتي غالبا على أنها فوق القانون ولا تؤمن بالمدنية والحرية والتعدد الذي يقود للتقدم..
والثقافة والمثقف الحقيقيان أيضا قادران على بنا النموذج السليم في وعي الناس و رفض المفاهيم التقليدية ذات الأبعاد الإرتدادية ونمط العقل التراجعي الذي يشحذ همم العصبيات ويقتل الولاء لدى هذا الجيل أو ذاك ..من خلال مسميات تتعارض والمنطق السليم وقيم العصر والمصلحة العامة..
وبلا أدنى شك فمجتمعنا بحاجة إلى جيل تنويري .ثقافي .طليعي يتصدر أولوياته واهتماماته.. ويجعل من إمكانية قبول أبناء المجتمع كافة بالإختلاف والتخلص من ثقافة احتكار الحقيقة والرعب والإقصاء لكل فكر مخالف والتفكير بعقابه وعزله..على خلفية سياسية أو دينية أو مذهبية أو مناطقية أو أيديولوجية معينة..
وكي يتم ذلك فالأمر يتطلب توحيد الجهد والسير معا في قلب الصعب وإختراق الحواجز والترسانات التقليدية والجهوية بالتوعية الهادفة والترشيد في توجيه النقد..بما يضمن ويمهد في أخذ البلد خطوة واحدة للأمام وخلق بدايات ناجحة للإزدهار الثقافي المنشود..

قد يعجبك ايضا