وين العدالة وين¿¿بين ماضي الأمة وحاضرها
بقلم : علي أحمد بارجاء
بقلم : علي أحمد بارجاء –
لم أنتزع عنوان هذا المقال من كتاب في القانون بل هو جزء من أغنية شهيرة للشاعر المرحوم عمر أبوبكر العيدروس يحفظها العام قبل الخاص ويسقط كل مظلوم معناها على كل من يمارس في حقه ظلما أيا كان نوعه على اختلاف بين متابعي شعر الغناء في حضرموت حول تصنيف انتماء هذه الأغنية أهي سياسية أم عاطفية وجدانية¿
نعم أين العدالة¿ ونقصد بها العدالة بمفهوماتها المختلفة في حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية عدالة الدولة التي ينبغي أن تسود بين مواطنيها مهما كانت درجاتهم في السلم الاجتماعي والسياسي والوظيفي وقد جعل الله ورسوله التقوى معيارا للأفضلية بين المسلمين وهذا يؤكد أن المساواة والعدالة بين المسلمين مبدأ عام وأصل ثابت مقطوع به وأن التقوى زيادة في التفضيل بينهم ولا يفهم منه عدم مساواة المتقي بمن هو دونه في التقى في شؤون الحياة ولذا فالجميع كأسنان المشط كما ورد في قوله عليه الصلاة والسلام . أفلا يحق لنا أن نكون نحن الأولى شرعيا بتحقيق العدالة والمساواة لأن الله _ سبحانه وتعالى _ قد جعلنا في خير أمة أخرجت للناس نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونومن به إلها واحدا¿ ولتحقيق الإحساس فينا بذلك أمرنا بأن نقف صفوفا متساوية في الصلاة وأن نصوم رمضان وأن نحج ونعتمر في ثياب متشابهة فتغيب بيننا كل الفوارق التي نتباهى بها كبشر.
لقد أصبح البحث عن العدالة على الأرض حلما لكل الشعوب وظل تحقيقها مطلبا لا يكف العلماء والحكماء والأدباء يصوغونه في قوالب من نثر وشعر فمن قائل : (لو رزقنا الله عدل سلطانه لأنام أنامه في ظöلö أمانöه) ومن قائل : (دوام الدولةö عدúلها) و(العدل أساس الملك) يقول ابن خلدون : ” وبإقامة العدل في القضاء والعمل تصلح أحوال الرعية وتؤمن السبل وينصف المظلوم وتأخذ الناس الحقوق وتحسن المعيشة ” ومن كلام أنو شروان : ” الملك بالجند والجند بالمال والمال بالخراج والخراج بالعمارة والعمارة بالعدل والعدل بإصلاح العمال وإصلاح العمال باستقامة الوزراء ” إنها سلسلة مترابطة متماسكة الحلقات . وإذا كان الأولى أن يكون كل حاكم عربي أرأف بشعبه و أكثر حرصا في حكمه على التطبيق الأمثل للعدالة في أرقى صورها الإسلامية فإذا لم يحدث ذلك فمن باب أولى استبعاد بل استحالة أن نجدها في الحكام الأعاجم الذين أقاموا الدول في العالم الإسلامي بعد ضعف الدولة المركزية في الشام والعراق ومصر كالدولتين المملوكية والأيوبية ولو بنسبة من النسب فإذا التاريخ يقص لنا سيرة السلطان العادل نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي الذي تولى حكم حلب بعد أبيه عام 541 هجرية وكان عمره ثلاثين عاما فها هو كما وصفه ابن الأثير بقوله : ” طالعت تواريخ الملوك المتقدمين قبل الإسلام وبعده إلى يومنا هذا فلم أر بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبدالعزيز أحسن سيرة منه ” . ولنفترض أن ابن الأثير كان مبالغا فيكفيه مما يؤيد قوله ما روي عن موصوفه بأن من قصص عدله أنه – أي نور الدين محمود- بنى دارا للعدل وكان سبب بنائها أن أمراءه وقواد جيوشه تعدوا على من يجاورهم فكثرت الشكاوى إلى القاضي كمال الدين فأنصف بعضهم ولم يتجرأ على القائد أسد الدين شيركوه فلما سمع نور الدين بذلك بنى هذه الدار وأحس أسد الدين بهذا فقال لنوابه : ” والله لئن أحúضöرت إلى دار العدل بسبب أحدكم لأصلبنه فامúضوا إلى كلö من بينكم وبينه منازعة فأرضوه وافصلوا الحال معه فقالوا : إذا فعلنا هذا فإن الناس يشتطون في الطلب . فقال : خروج أملاكي عن يدي أسهل علي من أن يراني نور الدين بعين ظالم . ومن نور الدين محمود تعلم صلاح الدين الأيوبي طريق الخير وفعل المعروف والجهاد.
ويروي التاريخ أن من الحكام _ ممن رحم ربي _ كانوا يقرöبون العلماء المنزهين عن طمع الدنيا للاستماع إلى مشورتهم ونصحهم وإرشادهم في ما يعينهم على إصلاح حكمهم خوفا من الوقوع في الظلم بل ويخرجون متخفöين لتفقد أحوال رعيتهم ولسنا بحاجة إلى ذكر أسماء أولئك الحكام وضرب الأمثلة بهم فهم أشهر من أن يذكروا ابتداء من الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب الذي قال فيه الهرمزان قولته الخالدة حين جاءوا به إليه وهو نائم في المسجد فرúدا حرا بغير حراس : ” حكمت فعدلت فأمنت فنمت ” إلى ما قبل عصر النهضة لنجد أنفسنا بعد ظهور الدول الحديثة التي شغلتنا بادعاء تطبيق الأنظمة الجمهورية والديمقراطية وحماية مبادئ الحرية وحقوق الإنسان والمواطنة المتساوية والتعددية الحزبية شعوبا نتنقل كالمضغة من فم ظالم إلى فم