هلالا رمضان وشوال والخلاف الأزلي بين المسلمين
جمال عبدالحميد عبدالغني
جمال عبدالحميد عبدالغني –
> ما أكثر الخلافات والاختلافات بين العرب والمسلمين وهي بالتأكيد خلافات صنعها ويصنعها وسيصنعها الحكام إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا ويشاركهم في تضييق هذه الخلافات رجال الدين الكبار أو أصحاب الحل والعقد الذين يصمتون ولا يصرخون في وجوه الحكم ويعيدونهم إلى رشدهم ويسعون بدأب شديد إلى تكريس الخلافات المذهبية وتأجيجها وإيصالها أحيانا إلى درجة العداء بين أتباع المذاهب المختلفة, وقد يصل الحال ببعض الغلاة ممن نصبوا أنفسهم رعاة للمذاهب أو حراسا لها أن يطلقوا فتاوى التكفير لأتباع هذا المذهب أو ذاك مع أن الكل مجمعون على أن المعبود واحد جل جلاله والرسول واحد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأركان الإسلام خمسة والفروض خمسة وأركان الإيمان ستة ومع ذلك نحمد الله أن الحكام وعلماء الحكام لم يستطيعوا حتى اليوم تكريس العداء بشكل مطلق بين الشعوب العربية والإسلامية فالمواطن اليمني يئن لألم المسلم الإيراني والباكستاني والأفغاني والماليزي كما يئن لألم شقيقه الليبي أو المصري أو الخليجي أو السوري والعراقي, وغيرهم من أبناء الشعب العربي الواحد من المحيط إلى الخليج ونفس الشعور المتبادل من كل أبناء الأمة العربية والإسلامية أمام مآسينا ومآسي إخواننا العرب والمسلمين وهذا تصديق لحديث رسولنا الأعظم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين عندما قال (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) صدق رسول الله ونسأل الله الهداية لحكامنا وعلمائنا.
أما الخلاف الأزلي والذي أعتبره أشد إيلاما لأنه مثير للاشمئزاز والسخرية في آن فهو الخلاف حول بداية شهر رمضان المبارك ونهايته لأنه خلاف غير مبرر على الإطلاق وتتحمل وزره علماء الأمة وبالذات منهم المكلفون بمراقبة الهلال وإعلان توقيت الصوم والإفطار لأن الخطأ في التوقيت يحير شعبا بأكمله على إفطار يوم أوصى الله على عباده أن يصوموا فيه وخطأ التوقيت الآخر يجبر ملايين البشر على تحمل مشقة صوم يوم ليس من رمضان ولم يوجب الله على عباده الصوم فيه وكلا الخطأين فيهما إثم عظيم ومخالفة لإرادة الله عز وجل وتعاليم نبيه الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم.
لقد نظم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هذه المسألة عندما قال (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة) لقد منح هذا الحديث استقلالية للأقاليم في تحديد بداية الشهر ونهايته لسبب بسيط وهو حالة الجو فوضوح الرؤية في المدينة المنورة مثلا قد يصاحبه غيوم وحجب لرؤية الهلال في صنعاء ومن المستحيلات في ذلك الزمن وصول خبر رؤية الهلال في المدينة المنورة إلى صنعاء وإلا لصام من في اليمن بناء على شهادة من رأوا الهلال في المدينة أو في مكة أو غيرها من الأقاليم أما اليوم وفي ظل ثورة الاتصالات والفضائيات وتحول الكرة الأرضية إلى قرية واحدة فما مبرر الاختلاف¿ وهل يمكن ظهور الهلال في إيران أو ليبيا مثلا بشكل يؤكد بأن اليوم هو آخر أيام شعبان بينما يظهر الهلال في نفس الوقت في سماء مصر واليمن والسعودية بصورة توضح بجلاء أن غدا هو آخر أيام شعبان¿ يستحيل ذلك علميا وفلكيا ودينيا لأن الخالق الحكم هو المسير لنظامه الكوني والمقدر للمنازل ولا يوجد أدنى شك في احتمالية اختلال نظامه الدقيق والبديع. كما أن فارق التوقيت بين أي بلدين على سطح الأرض لا يمكن أن يصل إلى 24 ساعة وأقصى فارق لا يزيد عن 8 ساعات, إذا كيف أول رمضان في ليبيا هو ثاني رمضان في قطر أو الكويت أو غيرها شيء غريب ومحصور على الغرب, والمسلمون الذين يختلفون حتى في الأمور غير المعقولة وتتدخل السياسة حتى في أمور تتعلق بسنن الله في خلقه لا حول ولا قوة إلا بالله.
* وتأكيدا لذلك فمن النادر جدا إن سمعنا بأن رمضان يبدأ في ليبيا إبان حكم القذافي متزامنا مع بداية رمضان في دول الخليج بل استذكر بأن الفارق وصل أحيانا بين ليبيا والآخرين إلى يومين في بعض السنوات والسبب الوحيد هو عناد القذافي ودأبه المستمر على المخالفة لمن نختلف معهم سياسيا.
* أما أغرب خلافات توقيت بداية رمضان ونهايته ما حدث في بعض السنوات الأخيرة في قطر والعراق بعد نهاية حكم صدام حسين حيث أعلن ديوان الوقف السني بداية شهر رمضان وأعلنت الحكومة العراقية والمرجعية الشيعية يوما آخر لبداية الشهر الكريم.
* لماذا لا يتوحد المسلمون حتى في هذا الأمر الإلهي أو الركن الإسلامي المتفق عليه¿
مع فارقة التوقيت السياسي على ا