مفاهيم وأنوار القوة الروحية

عارف الدوش


 - أن النظام الإسلامي الوارد في القرآن الكريم والسنة المطهرة وفي اجتهاد المجتهدين نظرية تطبق و حياة تمارس وتعايش ويتم تطويعها وتطويرها لتصبح الحياة أكثر إنسانية وأعظم روحانية والإسلام حياة عريضة تتفتح في رحابها كل
عارف الدوش –

أن النظام الإسلامي الوارد في القرآن الكريم والسنة المطهرة وفي اجتهاد المجتهدين نظرية تطبق و حياة تمارس وتعايش ويتم تطويعها وتطويرها لتصبح الحياة أكثر إنسانية وأعظم روحانية والإسلام حياة عريضة تتفتح في رحابها كل العقول وتزدهر كل النفوس وهو روح حر طليق قبل أن يكون نصا أو مؤسسة أو حدا فلذلك لا يمكن أن نحده بحدود اجتهاد قرن بعينه ولا أن نقبل في فهمه وتفسيره ما أتانا عن المتأخرين من الرجال في العصور الأخيرة الذين يلحون على النص فيقتلون الروح وتتحول سماحة الإسلام الكامنة في نفوس المسلمين إلى جفاف وغلظة في أفواه المتحدثين باسمه وعقولهم فيزداد نفور المسلمين من إسلامهم الكامن في ضمائرهم لأن كل المتحدثين باسمه عجزوا عن اكتشاف ما في ضمائر المسلمين البسطاء والتعبير عنه. وهذه هي القضية! فالإسلام الذي يتحدث عنه الناس وكأنهم يأتون للناس بشيء غريب لم يعهدوه ليس جديدا على الناس بل هو جزء من حياتهم وهم في جوهرهم صياغة حية لفكرة الإسلام والمطلوب من المجتهدين في العصر الحديث اكتشاف هذا الإسلام الحي في نفوس البسطاء من الناس وإزالة الشوائب عنه وتفجير طاقاته الخلاقة وربطه بحياة العصر بحيث لا يشعر المسلم الذي هو النموذج الحي لفكرة الإسلام بالغربة في القرن العشرين.
إن سبب هذه الغربة أن هذا الإسلام الكامن في النفوس والذي صاغ شخصيات المسلمين وأعطاها كينونتها وذاتيتها نسيج حضاري حي يتفاعل مع البيئة ويؤثر فيها ويتأثر بها ككل كائن حي فيتطور الفرد ويتطور المجتمع أيضا لأنه روح حية وليس شكلا جامدا وإلا لما أمكن أن ينظم حياة الناس وعقولهم وهي متجددة أبدا لاهثة أبدا وراء الجديد. والعبرة ليست بما صار إليه الإسلام في حياة المتأخرين وعقولهم فإن ذلك الصورة الجامدة للإسلام الذي توقف عن النمو والحركة بتوقف المجتمع المسلم عن النمو والحركة. وإنما العبرة بما كان عليه الإسلام في حيويته وانطلاقه وهجومه الكاسح على معاقل الحضارات واحتوائه لها وهضمه لكل جديد وقديم فيها من الفكر والاجتماع وتجديد نفسه بالانفتاح على ثمرات الفكر والحياة حيثما نزل وبذلك تبرز قوته وتبدو روحه التطورية المعبرة عن روح العصر في كل مجالات الإبداع والابتكار ولا نستثني من ذلك الشريعة نفسها التي ضرب لنا مفكروها الأول المثل الحي للطواعية والمرونة وانفتاح الذهن على تجدد الحياة واختلاف صورها وإدراكهم الواعي لهذه الحركة المتصلة في أعماق المجتمع وسعيهم الحثيث للتعبير عن ذلك في فهمهم الكبير للنصوص وتفسيرها وتأويلها بما يحقق أكبر قدر من الفائدة للمجتمع ويتيح لطاقات النص أن تنطلق بالقدر الذي يسمح به تطور الحياة في حدود الزمان والمكان.
*إن رصيد كل امة في هذه الحياة هو قوتها الروحية تلك القوة التي لا تغلب وذلك الجمع الذي لا يهزم وان هذه القوة لا تبنى إلا على أساس من الإيمان الصحيح والعقيدة الراسخة وإنها لا تبنى على حساب غيرها ولا تتأثر بنصيب أختها الدنيا التي هي في نظر العقلاء لا تقل أهمية عنها قال تعالى « وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين «( القصص: 77( وإن للقوة الروحية طريقا واحدا هو طريق الله وللقوة المادية آلاف الطرق يتوخى المؤمن أقومها وأوضحها وما لا يعرقل سيره مع الطريق الآخر وما لا يتنافى مع ما تقتضيه الحقوق والواجبات التي سنها الكتاب وأوضحتها السنة وأن القرآن الكريم الذي أعد لكل أمر عدته وهيأ الأحكام للحوادث قبل نزولها وسبق إبداع العلم في مجال الإبداع إن القرآن ليقول للمسلمين بكل وضوح وتأكيد (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون)
ولم يقل مفكرو الإسلام علينا الوقوف عند ما ورثناه من آبائنا بل طوروه بالانفتاح على الجديد الذي وجدوه هاضمين له مطوعين فكرهم وموروثهم للتعبير عن الوضع الجديد بحيث يصعب علينا اليوم أن نقدر الثراء العقلي الذي أضفته حركة أهل الكلام والفرق الإسلامية المختلفة على تراث الإسلام ثم ما أعقب ذلك من نشاط الفلاسفة وعلماء الطبيعة المسلمين الذين بلغوا الذروة في النظر العقلي بحيث لم يغيروا من حياة المسلمين العقلية والاجتماعية فحسب بل غيروا من مسار الفكر البشري عامة وطوروه حتى أسلموا الشعلة لأوروبا في العصور الحديثة وهذا هو الإسلام الحي. الإسلام الروح. الإسلام المتطور الذي يتغذى بالتجربة ويتلون بالبيئة ويثري الحياة ويؤثر فيها ويتأثر بها ويهدف أبدا إلى الأمثل في كل شيء متجاوزا حدود الماض

قد يعجبك ايضا