ليلة القدر بين الأحلام والحقائق!
حسن أحمد اللوزي
حسن أحمد اللوزي –
هناك بين ظهرانينا.. وفي حياة المؤمنين المخلصين له الدين.. رجال ونساء من صناع الثمرة الخيرة المباركة لليلة القدر.. تلك المكنونة بأسرارها.. وأعمالهم المبرورة بين الليالي العشر الأخيرة في الشهر الفضيل الذي أنزل فيه القرآن الكريم.. وأولئك المحظوظون والمحظوظات هم من يفوزون بكنز تلكم الليلة وجائزتها في وجهي الخير المرقوم للباذل والصانع لها والبالغ لجزائها.. وكذلك المتلقي والآخذ لثمرتها القدرية لأنه يستحقها جزاء طاعته وتفانيه في تعبده.. وصبره ودعواته المستجابة فضلا عن جهاده المتميز في كل حقول الاستخلاف لله سبحانه وتعالى..
وهي لذلك ليلة غراء محفوفة باحتفاء السماء وبالروح والملائكة المنزلين صفاء وبشرا وإلهاما.. وتوفيقا.. وسياحة تعبدية في رحاب النعيم الوقتي وميادين الخير العظيم.. والبر الأسمى.
نعم هناك رباطيون في ساحات الخير.. جنود آدميون وحوائيون لا نعرفهم لربانيتهم ونكرانهم لذواتهم.. وهم في ذواتهم لايريدون أن نعرفهم بصفاتهم تلك المستورة بنوره سبحانه وتعالى مسخرون لتحقيق غايات ليلة القدر وكما شاءها الله في كتاب الرحمة واللطف والخير والبر والبذل والإحسان!
فكل إنسان مؤمن متمكن بماله وقدراته بل وبجاهه وسلطانه.. ومكانته قادر لأن يكون من صناع ليلة القدر بالنسبة لكل من حوله من المعسرين والمحتاجين والفقراء والبؤساء ليرفع عنهم الضراء.. ويغدق عليهم بالسراء وذلك بيد الجود والكرم وفيض السخاء والعطاء والنظر الصادق والتطلع العميق لما عند الله.. وانفاق ما جعله الله عنده.. وإدخال المباهج الربانية المتلهفة على شرفات نواياه الخيرة إلى النفوس المتطلعة إلى السماء مشدودة العيون ملهوفة القلوب.. جاهدة الأجساد في التبتل والدعاء في التراويح والتهجد وقيام الليل.. وكأنها معلقة المصير بالغيب الساكن معتصمة بحبل الله وتراهم منتشرين في كل مكان في القرى والمدن والعشوائيات.. وعلى حواف الحياة البائسة!!
وما أكثر أولئك الذين يستطيعون أن يلبوا تلك الدعوات الذاهبة إلى السماء.. والنفوس المشدودة بحبال الرجاء يظهرون حين تعدهم الملائكة في الأسباب الربانية لحضور ليلة القدر إلى حياة أولئك الذين ينتظرونها وهم أجدر بها وأحق حتى يتحرروا من فقرهم وعوزهم.. ويتعالجوا من أمراضهم.. وأدوائهم ويفوزوا في امتحانهم الدنيوي بأعمال من ضمنوا فلاحهم الأخروي!!
لا شك أن هناك دائما وفي كل رمضان هناك وهناك من استطاعوا أن يحوزوا الفضل العظيم في هذا الاختبار الرباني السنوي الذي يترقب وينتظر لجلال أمره.. وعظمة أثره ليلتسفوا طريق الوصول إلى الكنز الإلهي المكنون لهم في ليلة هي خير من العمر كله وموازية للحياة الفانية كلها لأنها حق لهم.. وجائزتهم التي خصهم الله بها من بين كل الصائمين.. والصائمات!! لما اقتدروا عليه في صنع التميز الإنساني في الخضوع والامتثال والطاعة بالجود والكرم وتحقيق الأسباب فكانوا مفاتيح أعز حجاب!! ذلك أن لكل ليلة قدر وهي لا تعد أكثر من سبيل.. وما لا يحصى من الأبواب!!
فماذا يمكن أن تكون ليلة القدر إذا لم تتجلى بذلك ومثل ذلك حتى لا تبقى كالإسطورة في مكنون المعاني القرآنية وكيف لا يتأتى المثول ويصدق العطاء بالوفاء.. ويحوز المستحقون لجائزة الخالق إذا لم يكونوا من الخلق الأبرار الأتقياء!! صناع ليالي القدر الكرماء الأوفياء!! من ذوي الأروية الملائكية المسكونين طهرا وضراعة واستجابة وطاعة من بني آدم وحواء عليهما السلام.. ونحن لا نراهم في كثير من الأحوال.. لأنهم لا يظهرون علينا بإعتبارهم معصومين من الرياء والتظاهر الاستثماري الدنيوي.. وكان يمكن أن نلقاهم هنا.. وهناك وفي الطرقات بمثل رداء «بابا نويل» على جمال هيئته وسخاء حمولته.. ورشاقة حركتة في أعياد السنة الميلادية!! وهذا بالطبع لا يقاس على ذلك أبدا.. ولا شك بأن لباس التقوى أجمل وأبقى في كل الأحوال!! وكما قال سبحانة وتعالى: «والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون». صدق الله العظيم.