الإشارات الروائية في رواية (ظلمة يائيل) 2-2

علي أحمد عبده قاسم


علي أحمد عبده قاسم –

يلحظ القارئ إشارات ودلالات روائية توضح جانبا سلبيا وممنوعا وإن لم يتعرض له النص صراحة إلا أنه اختزل فيه صورة للقصر الكهنوتي الذي يسبي النساء ويفرض حياة متفرقة بين الأسرة وأعضائها مما يترتب عليه عودة للمنظومة القيمية والأخلاقية للإنسان الذي هجر الإنسانية وتحول إلى حيوان وصورة أخرى تلمح كما أظن لطائفة بعينها في جانبها السلبي وإذا كانت الباطنية هي المصطلح الآخر فإن النص الروائي أوضح ذلك من خلال قول المعلم “… هناك من وشى إلى الإمام بأني أروج للمذهب الفاطمي… وضعوني في موضع المراقب قررت القيام بواجباتي كشيخ على الجميع حتى يأذن بزواله”.
استطاع النص الروائي أن يرسم ما يسمى بـ “التقية” من خلال العمل السري والتماهي مع المجتمع في صورته وناسه المعتادين ولا أدري هل إظهار هذا الجانب دلالة على أن الاستبداد يفضي إلى السرية أم توازنا روائيا لإظهار الجانب السلبي¿ لدرجة إن “التقية” تظهر في “تأمل داعي الدعاة بعض تلك النقوش وهو يردد: يا سبحان الله يا سبحان الله! هل أعجبتك¿! الآن عرفت لماذا قال الصادق الأمين: إن المصورين يكبون على وجوههم في النار” ص210.
ومن ذلك يلحظ حجم التخفي وراء الالتزام الديني في التمسك بالمبادئ الإسلامية التي تتناقض مع الأصول الدينية وليس طمسا للإبداع ولكن لم تكن العبارات الحوارية إلا تمهيدا لزخرفة القصر “قال قانح بأن مولانا الأجل أمر بإعادة تجديد الطابق العلوي للقلعة وإن مولانا يريد رؤيتي” ص210.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا ربطت الرواية بين اليهودية والشيعية الإسماعيلية¿!
أظن أن هذا الربط يأتي من عناصر التشابه كما في الرواية من حيث كونهما من حيث العزلة حيث تقول يائيل “تجاوزت السنة وجسمي ينحل بعد أشهر زفت أختي إلى شاب من ملتنا خرج أبي وأمي وأخواتي لإيصالها” ص64. وبذلك تتضح الأقلية وتتضح العزلة بوصف أن الزفاف يستوجب طربا وصخبا وإشهارا ويأتي ذلك لأن هذه الطائفة تظن إنها مميزة عن سائر الخلق وهما “ليخرج أبي عائدا بالعيلوم إلى بيتنا… جلس أبي وأمي وجلس أخي وأخواتي البنات أمرني بالتطهر ثم حدث الجميع بفضل الرب علينا وتمييزه لنا عن سائر الأغيار ثم وجه الكلام إلي وهم يسمعون لك خلق حضكö به ربنا وطهرك فلماذا تبحثين عما يقبح جمالك الرباني ولماذا تستبدلين روحك بروح فاسدة” ص61.
ومن خلال ما سبق يلحظ القارئ حجم الكراهية في العبارات والتطرف الديني فيها مما يؤدي إلى استخلاص عدم القبول بالآخر والتسامح معه ويكتشف ذلك “تمييزه لنا عن سائر الأغيار تبحثين عما يقبح جمالك الرباني لماذا تستبدلينها بروح فاسدة”. إن هذه الفوقية تعكس زيف التشدق والقبول بالآخر ويدرك أيضا المحافظة على النسل بعدم الاختلاط والتزاوج لذلك تتسع في حياة هؤلاء دائرة الممنوع وتتلاشى دائرة المسموح كليا خاصة في جانب الذوبان الاجتماعي مما أدى أن الهوية والخصوصية ذات ممارسة مميزة في الماضي وستبقى على هذا المنوال في المستقبل مما يؤدي تقوقع هذه الهوية وعدم عالميتها سواء الشخصية أو الفكرية بوصفها تقبل بذاتها فقط ومثل ذلك الطائفة الأخرى فهي ترى منعزلة وغير ذائبة في المجتمع وترى في ذاتها فوقية اجتماعية وفوقية دينية منحت لها دون غيرها فكانت الراوي موفقا في اختيار هذين النمطين حيث يقول أبو حاشد وهو شخصية ثانوية في الرواية “أنا الآمر الناهي هنا” ص158. وهذه إشارة فوقية تشير إلى التميز في الهوية ويقول: “لا يعرف أسرار الباطن إلا الإمام الذي يفيض بمعرفته التي ورثها عن آبائه وأجداده المطهرين وهذا يفيض بهذه المعرفة لأصفيائه” ص167.
وإن كان النص الروائي يرغب بالحياد فيورد النص كما قرئ إلا إنú كان فيه شيء من الحق إلا أن التميز والفوقية إشارة دلالية تعكس الروح ترى الحق المطلق في صفها وليس للأطراف الأخرى أي حق يماثله ولذلك كانت رسالة المراجعة وإعادة النظر في المنهج إشارة خفية في النص الروائي حتى يتحقق في المجتمع حالة من الوئام والانسجام مما يؤدي إلى حالة من السلمية لاسيما إذا حدث نوع من التقارب والتمازج وبذلك تتسع دائرة المسموح الفكري وتضيف دائرة الممنوع مما يفضي إلى تآلف طبقات المجتمع ويتحقق السلم الاجتماعي مع احتفاظ الكل بحقوقه التي تشكل هوية المجتمع والوطن الثري فكريا.
استطاعت الرواية أن تبرز لهاتين الفئتين الإتقان الحرفي المتميز يقول جوذر عن أمه (يائيل) “اتكأت قربها أنصت لها.. تحدثت عن عشق النساء للتبرج ورغبتهن بكل جديد ارتفع أزيز خيط التطريز بين أصابعها خلف الإبرة” ص38. ويقول جوذر عن نفسه وشوذب “أشكر اصطحابك لي… لم أكن أتخيل بأني سأجول يوما هكذا..!! أن تريني كل تلك الخطوط… زخارف.. تلك الألوان حين أرى نقوشك وألوان حروفك.. أصابع الحيرة تلهو بي أبحث عن سر ذلك السحر في نقوشك عن مصدر تلك الفتنة واليوم أشركتني في رؤية كنوزك” ص98.
من ذلك يمكن القول: أن

قد يعجبك ايضا