عصر فن البوب الأول



عرف فن «البوب» شهرة كبيرة بمختلف فروعه في الولايات المتحدة الأميركية باعتبار أنه أحد تعبيرات الثقافة الشعبية. ويكرس الناقد الفني الأستاذ في جامعة برينستون هول فوستر كتابه الأخير لـ»عصر فن البوب الأول». إذ يتعرض فيه لأعمال خمسة رسامين مشاهير في ميدان «البوب» وهم: ريشارد هاملتون روي لنشتنشتاين اندي وارول شارل ريشر ايد ريوشا.
يولي مؤلف الكتاب أهمية خاصة لدراسة مسألة الشكل في الأعمال الفنية لهؤلاء الرسامين الرواد والمؤسسين ذلك باعتبار ان الملامح الأولى لفن البوب ظهرت عمليا على مستوى الشكل قبل الانتقال إلى معالجة مواضيع ذات عمق اجتماعي واضح.
ويدرس المؤلف الآليات المعقدة التي ينتهجها هؤلاء من أجل استخدام الصورة في إنجاز لوحاتهم. وتتم الإشارة في هذا السياق إلى أن إعطاء مثل هذه الأهمية يشكل بحد ذاته تبدلا كبيرا بالنسبة للقراءات التقليدية الكثيرة المعروفة لفن البوب والذي تتم مقاربته في هذه الدراسة من زاوية الأهمية التي أخذتها الصورة في عصر الحداثة.
وعبر دراسة لوحات ومنحوتات الفنانين الخمسة موضوع هذا الكتاب يقدم المؤلف نوعا من التأريخ لحركة «فن البوب» منذ بداياتها الأولى. وهو يحدد بداياتها في سنوات الخمسينات من القرن الماضي مع البريطاني دافيد هاملتون.
ويبين أنه تعود أصول هذا الفنان إلى مدينة لندن. ويرى مؤلف الكتاب أن بعض الأعمال التي قدمها (وليس كلها) يمكن اعتباره بمثابة المساهمات الأولى في الحركة الفنية المعروفة باسم «فن البوب». وكان هاملتون قد عرض لوحته الشهيرة: «في الواقع ما الذي يميز منازل اليوم ويجعلها أكثر جاذبية» في معرض حمل عنوان: «هذا هو الغد» والذي نظمته مجموعة «الانديباندنت» الصحافية. وذلك العمل عده النقاد بمثابة أحد الأعمال الأولى في مجال «فن البوب».
من الملاحظ أن مؤلف هذا الكتاب يقدم المحطات الأساسية في المسيرة الفنية للمبدعين الخمسة الذين يتعرض لدراستهم في عمله ضمن المعيار الذي تخدم فيه تلك المحطات بفهم فن البوب. وليس بقصد التعمق بدراسة السياق التاريخي أو سيرة حياة الفنانين المعنيين.
المهم بالنسبة للمؤلف بالدرجة الأولى التجديد في الشكل الذي ساهمت الحركة من خلاله بخلق ثقافة شعبية جديدة وبالتحديد في فترة ما بعد الحداثة في كل من الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية ومن خلالهما إلى مختلف أنحاء العالم.
ومن الملاحظ أن المؤلف يجد مرجعياته في النقد لدى فلاسفة ومفكرين مبرزين من أمثال جاك ديريدا وجاك لاكان ولويس التوسير ورولان بارت ووالتر بنجامان. وغيرهم. ويلفت أيضا إلى أن أهم مؤسسي هذا الفن تمثلوا في فناني نيويورك آنذاك. وفي مقدمتهم: اندي وارول وروي لنشتنشتاين اللذان حاولا ترجمة ما كان يجول في المخيلة الشعبية عبر أعمالهم.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن تعبير البوب كان قد جرى إطلاقه أولا على الثقافة :»ثقافة البوب» أو «الثقافة الشعبية» والتي استلهم منها الفنانون أعمالهم. وكان على رأس أهداف حركتهم منذ البداية العمل على إزالة الحدود بين رفعة الفن وانخفاض الثقافة الشعبية.
ويحدد المؤلف القول ان فن البوب جاء من جهة بمثابة رد فعل على مختلف أشكال الضغوط الصادرة عن الحداثة ومن جهة أخرى من خلال كونه على صلة حميمة وجوهرية مع دور الصورة في الثقافة المعاصرة والتحليلات المقدمة في هذا الكتاب تركز على دراسة الكيفية التي فهم فيها الفنانون الخمسة الذين يتم اعتبارهم كـركائز في فن البوب دور الصورة في العالم الحديث. وكيف تعاملوا معها واستخدموها في أعمالهم.
الكتاب: عصر فن البوب الأول – تأليف: هول فوستر – الناشر: جامعة برنستون 2011 – الصفحات: 352 صفحة – القطع: المتوسط.

قد يعجبك ايضا