الإشارات الروائية في رواية (ظلمة يائيل)



على الرغم من أن القاص الروائي محمد الغربي عمران من القاصين المهمين في الساحة الإبداعية والأدبية اليمنية وربما قرأت معظم إنتاجه القصصي وكانت له خصائص ومميزات تنتمي إليه خصوصا كمثل إثارة قضايا جديدة وجريئة سواء في الأعمال القصصية القصيرة أو الروائية فكانت “مصحف أحمر” رواية سياسية بامتياز قضيتها التعايش والتسامح في ظل التلاقح الفكري العميق والمتجذر في التراث اليمني المتعاقب في المراحل التاريخية المختلفة لذلك كان التطرف والعنف والاستبداد يؤول للزوال والموت في الرؤية الروائية “لمصحف أحمر” لذلك كانت تلك الرواية مجسدة لمرحلة مليئة بالشك والعنف والاختلاف في مرحلة سيطرت عليها التوجس السياسي للتمدد الأيدلوجي سواء كان يساريا أو يمينيا ويعكس صورة صراع القوى الكبرى آنذاك إلا أني في رواية “ظلمة يائيل” أقول كما قال الدكتور إبراهيم أبو طالب في غلاف الرواية ذاتها حيث قال: “…ولكنها تظل محلا للاختلافات والاتفاقات… وتمتاز بحبكتها الفنية المتمكنة بحيوات شخصياتها الغريبة بأقدارها ومتاهاتها المعذبة”.

من ذلك يمكن القول: إن الاتفاق لا يختلف عليه أحد باعتبار البناء الفني متقنا ولكن الاختلاف يأتي من ملاحظات شخصية سوف أسردها في نهاية هذه القراءة ولكن السؤال المطروح هل هذه الرواية التاريخية في صورة السيرة الذاتية كانت دلالات مضمونها قضية يمكن عكسها على الواقع المعاصر المعاش أم إنها نأت عن هذه المقصدية¿!! وأيضا هل هذه الرواية انحازت لفئة من غير أن يكون ثمة توازن بين الشرائح الأخرى أم إنها لم تتمكن من إيجاد صورة متوازنة للشرائح في المجتمع كله¿
وإذا كانت لي بعض الملاحظات كتلق نقدي إلا أني لا أقلل إطلاقا من موضوع الرواية الجديد الجريء والشائك والذي يجعل من الغربي عمران صاحب رسالة يذكر بها النخبة بالأحداث التاريخية التي تتكرر دونما عبرة ودرس منها لاسيما وأنه يدور في محور التسامح والتعايش.
وحتى أبدأ فإني سوف أتناول طريقة السرد الروائي فقد اتخذت الطريقة السردية أسلوب اللقطات الفلمية التي تبدأ من الحاضر وتعود للماضي “اكتظت الساحات الشرقية للجامع… امتلأت الأزقة والشوارع الجميع ينتظر قدوم الإمام الشريف.. ارتفع صخب العامة” ص94: من ذلك يلحظ القارئ أن السرد بضمير “الهو” “هي” الذي يعكس صورة للراوي الذي يصف الأحداث الخارجية والتي تدل على “معرفة فوقية بالشخصية والأحداث” ليحدث نوعا من الإشكال التي تخلق فنية الرواية لتأتي صورة الشخصية السلبية في السرد الذي يصور “الإمام” بالشكل الذي يجفف جمال الحياة “كل شيء في المدينة قد تغير… مقتل المعلم – حالة شوذب بعد عودتها العسكر هم العسكر الذين يجولون لتنفيذ أوامر الإمام الجديد بتسليم جبايات جديدة أو اقتياد أحدهم إليه” ص94. إن تنويع السرد بين ضمير “الأنا” و”الهو” بمقصدية الابتعاد عن الوقوع في فخ أحدهما” حتى يهيئ القارئ لمواصلة القراءة ورسم صورة ذهنية لعالم الرواية ذلك يأتي ضمير للعودة للماضي “أعود بذاكرتي إلى أيام خلت… حين كنت أسير وشوذب في أزقة صنعاء صرخات أحيائها… نقف نتأمل واجهات دورها… نتفق أن ينقش كل منا تلك النقوش”.
وبهذه اللقطات تمكنت الرواية من خلق نوع من التناقض الذي يخلق الصراع والاندهاش ليظن أنه يقرأ سردا بخطاب الراوي العليم بالأحداث والشخصيات من خلال الوصف الرائع في أحداث الرواية ويظن أنه في سرد بخطاب الراوي الموضوعي الذي لا يتدخل وينحاز في عالم روايته وإذا كانت الرؤية والفكر هي منطلق العالم الروائي فإن القراءة السردية للرواية تجعل من القارئ يظن أن الشخصيات من خلال القص أنه منحاز أو متعاطف مع طائفة دون أخرى لذلك لجأ الكاتب إلى المخطوطة كعلامة سردية وسيميائية لإبراز مرحلة تاريخية وتوظيفها للحاضر المعايش وتخلص ذكي من الانحياز والتعاطف وإذا كانت البنية الفنية متقنة إلا أنها تبدأ الرواية فعلا بالإثارة والجذب من فصل “الرحلة”.
ولأن عالم الرواية ومضمونها يتمحور حول “الطائفية” فإن النص أبرزها نتيجة للاستبداد والقسوة “تعرضت مساكن اليهود للتخريب بعد نهب محتوياتها… لتحرق وتمتد ألسنة اللهب إلى دور الأحياء المجاورة ومنها حي الدباغين المطل على مجرى الغيل الأسود غرب صنعاء” ص31.
ومن ذلك يلحظ القارئ حجم الاستبداد والقهر “مساكن اليهود ← تخريب ← نهب ← إحراق امتداد لألسنة اللهب” هذه الصورة الوصفية تعكس حجم المعاناة التي تنفي تسامح الحاكم وانحرافه عن المبدأ الإسلامي للتعايش “دار المعلم والدور المجاورة له نهبت وقتل عدد من سكانها… اقتلع أحدهم عين زوجة المعلم بسن خنجره لحظة دفاعها عن شوذب… فقد مضوا بشوذب بعيدا” ص31.
وبذلك دلالات الرواية تعكس صورة معاكسة للقاعدة الإسلامية في “جلب المصالح ودرء المفاسد” وتحول الحاكم إلى مسؤول

قد يعجبك ايضا