تـريـم.. مـديـنـة الـقـصـور والـمـآذن

صالح البيضاني


صالح البيضاني –
> تعتبر مدينة تريم واحدة من أهم مدن حضرموت نظرا لمكانتها التاريخية والدينية والثقافية على مر العصور ..ماجعل منها واجهة يقصدها الباحثين عن سياحة الروح والعقل ..فبين جنبات المدينة القديمة تقع اليوم أهم أربطه ومدارس العلم الشرعي إلى جانب مكتباتها الثرية وجوامعها العريقة التي تعانق مناراتها البيضاء عنان السماء وتقف بشموخ آثار قصورها التي كانت مساكن لملوك وسلاطين سكنوا المدينة وسكنت فيهم.
أنها قصة مدينة ارتبطت فيها انجازات المادة بقيم الروح فكل مبنى له قصة وكرامة وكل حائط يحكي تاريخ غابر منذ نبي الله هود الذي مازال قبره مزارا وتذكارا لمدينة يرجع تاريخ تأسيسها إلى القرن الرابع قبل الميلاد حيث يرجع الباحث سعيد عوض باوزير في كتابه (معالم تاريخ الجزيرة العربية) تأسيسها إلى عهد الحكم السبئي لحضرموت مشيرا إلى أنها سميت باسم أحد أولاد سبأ الأصغر أو باسم القبيلة التي من تريم هذا). .فيما يقول ياقوت الحموي في كتابه الشهير (معجم البلدان) أن تريم إحدى مدينتي حضرموت.. لأن حضرموت اسم للناحية بجملتها ومدينتيها شبام وتريم هما قبيلتان سميت المدينتان باسميهما. كما يقول المرتضى الزبيدي صاحب كتاب(تاج العروس)أن تريم سميت باسم بانيها تريم بن حضرموت.

منارات وقصور
لعبت مدينة تريم دورا كبيرا في خدمة الإسلام ونشر العلوم الدينية وتعليمها منذ أن اشتهرت في مطلع العصر الإسلامي كعاصمة لوادي حضرموت حين كان يقيم فيها العامل ( لبيد بن زياد الأباضي) وقد كانت تريم العاصمة السياسية لوادي حضرموت في عهد ملوك كندة وبقيت كذلك حتى العام 1521م عندما استولت عليها الدولة الكثيرية .. كما كانت ومازالت تعد كعاصمة حضرموت الدينية من خلال انتشار المدارس الدينية والعلماء الذين وصلت آثارهم إلى كل أرجاء الأرض وكان لهم الدور الكبير في نشر الإسلام في دول شرق آسيا والهند وأجزاء من القارة الإفريقية مع بدايات القرن الثاني عشر الهجري عندما هاجر الكثير من أبناء تريم إلى أفريقيا وجنوب شرق آسيا بغرض التجارة ولازالت المدينة حتى اليوم مقصد رئيسي للراغبين في تعلم العلوم الدينية من مختلف أنحاء العالم .
وقد اشتهرت تريم بكثرة مساجدها التي تجاوز عددها ثلاثمائة وستون مسجدا وهو عدد كبير مقارنة بحجم المدينة وعدد سكانها ولكنه يحمل دلاله خاصة من خلال اقترابه من عدد أيام السنة كما يقول البعض.. ومن أشهر مساجد المدينة جامعها الذي يرجع تاريخ بنائه إلى العام (375 – 402هـ) حيث بني في عهد الحسين بن سلامة الذي ولي الحكم في اليمن عام (375هـ) و تـصـل مساحـة الـجـامع إلى ( 19110 قدما مربعا ) وتحمل سقفه ستون دعامة أسطوانية قطر الواحدة (16 بوصة) وللمسجد ثمانية أبواب وتزينه المنارة التي بنيت في منتصف الجدار الشرقي للمسجد ويبلغ ارتفاعها (115 قدما) ويضم الجامع بين جنباته مكتبة الأحقاف التي تحتوي على عدد من أندر الكتب والمخطوطات العربية والإسلامية في مختلف مسائل الدنيا والدين يصل عددها إلى حوالي (5300) كتابا مخطوطا في شتى المعارف والعلوم ( التفـسير الفـقه الحديث الأدب التاريخ السيرة النبوية الطب الرياضيات الفلك ) والتي يعود تاريخ معظمها إلى القرنين العاشر والحادي عشر الهجريين , أما أقدمها فيعود للقرن الخامس الهجري ويتميز بعضها بالندرة مثل النسخة الأصلية لتفسير السيوطي و نسخة الجزء الثاني من كتاب القانون في الطب لأبن سيناء تعود لسنة 633هجرية كما يوجد بالمكتبة نسخة في جزئيين بخط بديع ومزين بالذهب لكتاب الشفاء بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض بن موسى بن عياض اليحصبي نسخت سنة 763هجرية .
ومن أشهر مساجد تريم كذلك مسجد المحضار الذي يتميز بمنارته البيضاء المربعة التي يبلغ ارتفاعها (175 قدما) وقد تم بناؤها عام (1333هـ) من الطين وجذوع النخيل وهي من تصميم الشاعر والأديب أبوبكر بن شهاب المتوفي في عام (1334هـ) . . والجامع يعد من أبرز مظاهر التفرد المعماري التي تتميز به المدينة والذي يتجلى خصوصا في بناء مناراتها الشاهقة والتي تتميز بشكلها المربع أو المخروطي الذي يضيق كلما ارتفع البناء الذي غالبا ماتستخدم فيه المواد التي عرفت بها المنطقة وهي الطين وأعواد النخيل أما من حيث مكونات المساجد عموما في المدينة فقد حافظت على التكوين التقليدي للمساجد في اليمن مع الاختلاف في الأسلوب الفني الذي تأثر فيه أهل المدينة بأساليب البناء في دول شرق آسيا التي عاشوا فيها كما هو الحال مع الأديب والعالم بن شهاب الذي عاش جزءا كبيرا من حياته في الهند وعدد من الدول الإسلامية وهو الأمر الذي انعكس بشكل واضح على أسلوب تصميمه لمسجد المحضار ومنارته التي يقول بعض الباحثين المعماريين أنها اتخذت «شكلا جديدا للمنارة لم تعهده المنطقه» وأن ذلك الشكل استوحاه المصمم « من وحي عمارة المآذن التي ساد

قد يعجبك ايضا