نحن نستعمر أرضنا

د. خالد القزحي

 - كان اعتقادي أن فكرة الاستعمار تعني غزو دولة أقوى لأخرى أضعف منها عسكريا و سياسيا وربما فكريا لغرض استغلال مواردها الطبيعية والبشرية والجغرافية أو
د. خالد القزحي –
كان اعتقادي أن فكرة الاستعمار تعني غزو دولة أقوى لأخرى أضعف منها عسكريا و سياسيا وربما فكريا لغرض استغلال مواردها الطبيعية والبشرية والجغرافية أو ربما لأغراض دينية وأيدلوجية. ليس هذا الاعتقاد خاطئا و لكن تبين في الآونة الأخيرة أنه غير مكتمل- فالمستعمر هو من يبني ويعمر مصالحه الخاصة على حساب شعب بأكمله, ناهبا خيره ومستغلا خيراته وموارده ضاربا عرض الحائط بكل القيم الإنسانية والأخلاقية و النواميس العرفية و الدينية.
لم يعد معنى المستعمر محصورا بالاحتلال الخارجي وخاصة بعد ظهور ظاهرة المصطلح الوليد في العام المنصرم (ارحل), هذه الكلمة تستخدم مجازا أو بأسلوب مباشر للدخيل الغازي والذي يسيطر على ممتلكات الغير بدون وجه حق, و لكن تم استخدامها مؤخرا للتعبير مجازيا (مهما كانت الأيدلوجيات المستخدمة للوضع) ضد شخصيات من نفس البلد بحد ذاتها للإقلاع عن عملية استغلال البلد لمصالح شخصية, أسرية أو مناطقية. و لكن المشكلة الأساسية في هذا أن برحيل شخصيات معينة لم يتغير الوضع في كافة الدول التي تم إطلاق هذه الكلمة فيها , بل ازداد الوضع سوءا. هذا يرجع إلى أمرين: أحدهما أن تكون الكلمة أطلقت على أشخاص ليس لهم علاقة بالمستعمر الحقيقي لثروة البلاد أو أن هناك المزيد منهم حتى ممن يقودون جماهير كلمة (ارحل).
وهكذا أصبح المستعمر الحديث من أبناء الوطن الذي احتضنه و رباه وعلمه فأصبح بعد كل هذا إخطبوطا يتغلغل في أعماق الحكم و مرفقات الدولة عن طريق التسلط والترهيب… بلدنا المسكين أصبح مثالا لاحتواء آلاف كثيرة من هذه النوعية من المستغلين الذين يتظاهرون بأهميتهم القصوى عن طريق منهج الرأسمالية بشكل لا يستمد لفلسفاتها بصلة اقتصادية كانت أو سياسية تحفظ للشعب كرامته كإنسان وتحافظ على موارد الوطن للوطن نفسه لا لشخصيات معينة. خلو المنهج السياسي من الفلسفة الثابتة باسم الديمقراطية المقنعة جعلت الوطن عرضة للانتهاك من قبل أفراد باسم الأحزاب السياسية تارة وأخرى باسم الدين, تارة باسم المجتمع القبلي والمشائخ وحديثا بذريعة المجتمع المدني. و كل يتخبط على هواه لخلق مفردات جديدة تستغل طيبة وصبر ولين قلب الشعب اليمني حاملين شعاراتهم الرنانة لبلوغ مآربهم الدنيئة تماما كما فعل المستعمرون الغرب لتبرير احتلالهم لبلدان غيرهم باسم المهمة النبيلة والشعب ما زال يصدق بأنه يعيش مرحلة الديمقراطية الوليدة عقودا من الزمن ماضية أو حتى حاليا بعد الأحداث الدامية لما يمكن أن نسميه (ثورة+أزمة) و ما نتج عنها من مصطلح غير مناسب بالحرية..! الديمقراطية في اليمن هي نفسها التي عارضها نعوم تشومسكي في كتيب صغير حمل اسم (التحكم بـ/عن طريق الإعلام ) بسبب توضيحه لها كلعبة سياسية يلعبها صانعوا القرار ممن بأيديهم القوة أو السلطة غرضها أن تجعل الشعوب تعيش حالة من الوهم بأنه يمارس حقه من الحرية باختيار من يمثلهم في صنع القرار والذين في نهاية الأمر ليس بيدهم تغيير أي قرار تم إصداره من ذوي القوة والذي أطلق عليهم هنا اسم (المستعمر الحديث(. ذا المستعمر الحديث ليس غريبا عنا رغم أنه لا يعيش عالمنا. هو يمني مثلنا, ولد وترعرع في يمننا أيضا. ليس فردا أو أسرة كما يدعي البعض ممن يحتوون نفس عناصر الاستعمار. هو أكثر من أسرة وأكثر من شخصية من أماكن عدة, ليس من فرق بيننا وبينه إلا أننا نزداد فقرا ليزداد غنى. نتناوب على مقرات أعمالنا ومساكننا وهو يتناوب على كراسي السلطة والشركات وحتى الدين والقبيلة!! هو رئيس المال بينما نحن و الوطن رأس المال وليس لنا أن نقاوم أو نعبر لأننا مجرد ميراث يرثه أو ممتلكات في نظره. هو لا يريدنا أن نتعلم كي لا نعي هذا و إن تعلمنا فلن يكون كلامنا مسموعا تحقيقا لاستفسار قايتري سبي?اك في نظريتها (هل يمكن أن يتكلم المهمش¿) و إن تكلم من سيسمعه¿ المستعمر في هذه الحالة أكثر قدرة من سابقيه من المستعمرين, فهو لن يحتاج أن يخشى عدم معرفته بالجغرافيا والثقافة فهو منها و يعرفها جيدا و يعرف كيفية التعامل مع كافة طبقات المجتمع. كذلك هو يعرف متى يختلق الأزمات تحت شعار (الفوضى الخلاقة) التي تمكنه من السيطرة ويملك شفرات إبطالها متى ما حب ليكون بطلا أسطوريا في نظرنا. وحديثا جدا هو يعرف متى ستصل بواخر مولدات الكهرباء والشموع إلى الموانئ ليتم قطع الكهرباء, و بصفته قيما على أمورنا والتخطيط لنا فهو يعرف متى يشتري آلاف الهكتارات من الأراضي بثمن بخس ليبيعها و يؤجرها من أصحابها الأصليين بعشرات الأضعاف حال وصول الطرق والمشاريع الرئيسية إليها! لا يمكن أن نحمل جميع المستفيدين المسئولية كاملة و لكن يمكن أن نشير بأصابع الاتهام لأكثرهم ا

قد يعجبك ايضا