الذات المغتربة في الوطن المنسي

فايز البخاري


 -  فن الالتفات: بدا واضحا في المزواجة والتناوب بين ضمير المتكلم(أنا) وبين ضمير الغائب(هو) حين يتحدث عن شخصية واحدة هي بطل الرواية(معروف). محاولة من اللاوعي لدى الروائي للالتفات عن واقعه المؤلم إلى الماضي المشرق لهذه الأمة التي أضاع بنوها كل أمجادها في لحظة غفلة من الزمن.
فايز البخاري –

فن الالتفات: بدا واضحا في المزواجة والتناوب بين ضمير المتكلم(أنا) وبين ضمير الغائب(هو) حين يتحدث عن شخصية واحدة هي بطل الرواية(معروف). محاولة من اللاوعي لدى الروائي للالتفات عن واقعه المؤلم إلى الماضي المشرق لهذه الأمة التي أضاع بنوها كل أمجادها في لحظة غفلة من الزمن.
*المونولوج أو الحوار الداخلي حاضر بقوة والأقل منه الديالوج اللذان يشكلان معا رسالة قوية توحي بدلالة القهر والكبت الذي يعانيه المبدع العربي القومي في قطرöهö ومدى الإحساس العميق بالغربة في تلك الأوطان المنسية التي يجهل العالم حتى أكبرها مساحة(السودان قبل انفصال الجنوب أغسطس2011م) والذي يعتبر قارة لوحده بمساحته وتنوع تضاريسه وثقافاته ومناخه وأعراقه.
وطغيان المونولوج في الرواية يتعاضد مع عتبة النص(العنوان) الذي يوحي بالغربة وعدم الاستقرار. وهذا بدوره عامل رئيسي في بروز وحضور المونولوج بقوة في ثنايا النص على اعتبار أن الحوار مع النفس هو متنفس المغترب والمهاجر الذي يعيش غالب وقته وحيدا. ولهذا فقد كان الروائي موفقا للغاية بقصد أو بدون قصد حين جاء الحوار بشقيه: (الداخلي والخارجي) طاغيا في كل فصول الرواية.
وعزز مöن ذلك الكثرة الطاغية لمفردات المعاناة والاغتراب التي أسهب الروائي في ذكرها.
< التهكم: شيء أساسي في صلبö الرواية التي تضمنتú العديد من الانتقادات بطريقة التهكم والسخرية لعادات وتقاليد بالية وطبائع ساذجة تتمسك بالقشور وتدع اللب. مöن مثل ذلك قوله في صفحة106 عن رسالة بعثها بطل الرواية من نيجيريا إلى أصدقائه في السودان يشرح فيها علاقته ب(جيني) الطالبة البريطانية لديه في جامعة لاجوس والتي تسببتú بمعركة بين سياسية بين أصحاب الاتجاه الحديث على اختلاف مشاربöهم وبين أصحاب الاتجاهö الإسلامي وكأن قضية السودان قد أوجزتú في هذه الرسالة الفنية عن (جيني) وتركتú أخطر القضايا التي تمس الحرية ونظام الحكم وحياة الناس!!!
(أي أمة هذهö التي يكون دوما أمسها أفضل مöن يومöها¿! ويومها أفضل من غدöها¿!!) ص108..
< الشخصيات:
– معروف بطل القصة الذي جاءت أحداث الرواية على لسانه هو رمز للمثقف العربي الذي يعاني الضيم في وطنه نتيجة الظلم والاستبداد الذي منيتú به معظم الأقطار العربية. ومن خلال رحلاته المتعددة إلى دول أفريقية وأوروبية يحاول الروائي جلد المجتمع العربي الطارد لمبدعيه والجاهل بعظمتهم وإبداعهم. في حين وجدوا لدى الآخر والغرب بالذات صدرا رحبا احتضن إبداعهم وعرف فرادة مواهبöهم وقدر إنتاجهم!
– شعيب رمز للإنسان الذي نفتقده في مجتمعنا العربي حاليا. الإنسان الذي يحوي العلم والثقافة والمعرفة التناهية الإنسان المسكون بهاجس الوطن والقومية المثقف الأنموذج الذي يحاول انتشال مجتمعه من الحضيض دون أن يكره حتى من يسومونه سوء العذاب لاختلافات فكرية وسياسية. إنه المثقف والمعلم والإنسان القدوة الذي يتمنى الروائي وبلا شعور أن يكون عليه كل المثقفين العرب الذين يجب عليهم أن يتحملوا مسئوليتهم في النهوض بمجتمعاتهم وإخراجها من بوتقة الانطواء والتخلف الذي تقبع فيه!! وفي هذه الشخصية اختزل الروائي وطنه والإنسان والمثقف والمناضل العربي الذي يريد.
– عبدالباسط رمز للمثقف الانتهازي والثوري الدعي الذي يهرع خلف المال حين يلوح له به من أول وهلة دون الالتفات لما كان يقوله وينظر فيه ليدوس على كل معتقداته الفكرية والنضالية من أجل حفنة مال قد تجبره على النيل حتى من رفاق الفكر والنضال! وما أكثر هذه النماذج في وقتنا الراهن!!
– (جيني) البريطانية و(سöف) النرويجية هما شخصيتان لفتاتين يريد أن يقول الروائي للفتاة العربية الخجولة والمحاطة بقيود العادات والتقاليد لتكوني مثل هاتين الفتاتين اللتين اغترفتا من كل المعارف وغامرتا في كل شيء لتكتسبا ثقافتهما من خلال تجارب حياتية لا تنمحي من الذهن أبدا ويكون مردودها سريعا وخالدا فيما تنتجه بعد ذلك. إنها الحياة التي لابد أن نعيشها بكافة متناقضاتها.
< أندلس أفريقي الملامح: تسمية أطلقها على القطر السوداني الشقيق ويرمي من خلالها إلى دعوة وتحذير العرب من ضياع السودان كما ضاعت الأندلس في أوربا على حين غفلة من العرب الذين التهوا بصراعاتهم الداخلية وتركوها للإسبان الذين لم يكتفوا بطردهم منها بل واحتلال بعض أراضيهم التي لا تزال بعضها تحت أيديهم حتى

قد يعجبك ايضا