صنعاء وحجاب النبي أزال

أحمد يحيى الديلمي

 - شبه أحدهم ذاكرة صنعاء بعيني أجمل طفلة حالمة تدونان الأحداث كما هي يأبى حياؤهما عليهما التزييف أو اختلاق وقائع أخرى.
هذا هو سر حي
أحمد يحيى الديلمي –
شبه أحدهم ذاكرة صنعاء بعيني أجمل طفلة حالمة تدونان الأحداث كما هي يأبى حياؤهما عليهما التزييف أو اختلاق وقائع أخرى.
هذا هو سر حيوية المدينة وشبابها .. تعاقب الأحداث الجسيمة بحلوها ومرها استعصى عليها أن تدنس وجه المدينة أو أن تلوث وجهها الجميل أو تخفيها لإرادة الغير قال عنها أمين الريحاني:
صنعاء أنت مليكة الزمان
وأجمل مدينة صاغتها أنامل الرحمن
كثير هم الشعراء والأدباء والكتاب الذين تغزلوا في صنعاء وأبدعوا في وصف جمالها الفتان كل من يزورها تداعبه شوارعها وأزقتها ينبهر بهندسة وروعة التخطيط ويسحره جمال المباني أسلوب البناء العقود القمريات يحلق به الخيال في أورقة الأزمنة يخشى أن يخذله الخيال في أعماقه هذا هو الأساس الذي وسع دائرة الاهتمام لدى هذه الشريحة من الناس بالمدينة فكانت محور اهتمامهم وأبدعوا في وصفها فالمدينة هي مصدر إلهام حتى لغير الشعراء والمبدعين من مهندسي الأعمار وعشاق فنون البناء والعمارة وتخطيط المدن فمن شدهم البناء وقالوا إنه يعبر عن روح الإلهام الإنساني ويمني الإبداع بمعانيه السامية وآخرون سحرهم التخطيط والتقسيم وتحديد بساتين الخضرة ومواقع الخدمات.
هذه الصفحات ناصعة البياض عن صنعاء المدينة صنعاء بوابة التاريخ الإنساني في الزمن الغابر هناك صورة أخرى للمدينة رسمها أعداء الحياة من تتلهى بهم الغرائز والشهوات وترسم تطلعاتهم وآمالهم الأهواء والرغبات المريضة بشر بلا ضمائر نفوسهم خالية من الحب طالما استباحوا حنايا طهرها ودنسوا قدسية عفافها وعبثوا بملامح وجهها الجميل.
مع ذلك ظلت المدينة صامدة الأحداث الأليمة التي تعاقبت عليها ربما طالت المباني التي أثرت على الخارطة الديمغرافية للسكان والبهاء لم تؤثر فيها الحوادث والنوازل التي تعاقبت عليها.
الحجاب والقدسية
من الحكايات التي كان يتداولها كبار السن من سكان المدينة أن النبي أزال بعد أن أكمل بناء صنعاء للمرة الثانية حرزها بحجاب خاصة وأن الحجاب حماها من كل النوائب التي تعرضت لها على مر العصور لأن الغزوات لم تنل منها وكانت آثارها المدمرة تطال التوسعات في البناء التي تقام من خلف السور لأن الحجاب أكسب المدينة قدسية خاصة بجعلها عصية على كل الغزاة.
هذه الرواية التقت مع مفردة هامة من مفردات العرف القبلي باعتبار المدينة مهجرة لا يحل فيها القتل أو حتى الثأر ومن اقترف فعلا من هذا القبيل يلحقه العار وتشوه سمعته بين القبائل لأنه اعتدى على حرمة المدينة وخالف أعراف القبيلة.
المضمون السابق كان له واقعه في الزمن المعاصر إذ يروى أن أحد تجار صنعاء عاد من الحج واستقبله أبناؤه بفرقعة شدة طماش هذا التصرف أزعج الإمام يحيى وأمر بأن يودع السجن لمدة شهر كامل ووافق على إطلاق سراحه بشرط أن يحرر تعهدا من عدة نسخ ليعلق في كل أبواب المدينة وعندما سأله القاضي عبدالله العمري وكان يومئذ في مقام رئيس الحكومة عن السبب.. أجاب:
(أريد أن يعرف كل قبيلي أن صنعاء مهجرة يحرم فيها حتى القريح “الطماش” والمفرقعات الصوتية لأن هذه الأصوات مصدر للفزع وإقلاق السكينة العامة.. ألم تسمع يا قاضي قوله تعالى ((أولمú يروúا أنا جعلúنا حرما آمöنا ويتخطف الناس مöنú حوúلöهöمú).
باهى الله بالأمن كأعظم صفة من صفات بيت الله الحرام ونحن في العاصمة حاضرة كل اليمنيين يجب أن ينعم الناس فيها بالأمن وأن تظلهم السكينة العامة.
فاجعة 1948م
الكلام السابق غاب في مرحلة لاحقة على خلفية التداعيات الأليمة التي أعقبت ثورة 1948م الدستورية بعد اغتيال الإمام يحيى ومعه القاضي عبدالله العمري وطفل من أحفاد الإمام وحادثة القتل هذه كانت ولا تزال محل استهجان الكثيرين لأن الإمام كان قد بلغ من الكبر عتيا وناهز التسعين من العمر.
ويرى هذا البعض بأن الحادثة ضاعفت من تعاطف اليمنيين وفتحت أبواب العنف وإراقة الدماء وأنه سبب تفاقم الموقف الذي منح الإمام أحمد الفرصة لتخطي ثوابت والده واستباحة صنعاء فأسلوب مقرف ولا أخلاقي إذا لا تزال مشاهد ذلك الاجتياح الهمجي للمدينة من قبل القبائل ماثلة في أذهان أهل صنعاء فالإمام أحمد بعد أن استعاد زمام الأمر استباح صنعاء بحجة تأديب أهل المدينة لأنهم تواطأوا مع الثوار وكان لهم دور في قتل الإمام فأعطى الضوء الأخضر للقبائل لاقتحام المدينة واستباحة كرامتها والتنكيل بأبنائها.
وهذا ما حدث بالفعل فلقد توافد القبائل من كل حدب وصوب..
احتلوا المساكن وطردوا أبناءها منها إلى أن أكملوا عملية تنظيفها ونهب كل ما فيها لم يتركوا شيئا في

قد يعجبك ايضا