حين تثور الديناصورات 

جميل مفرح



جميل مفرح

جميل مفرöح
دائما نظل نحن اليمنيين نشعر بالنقص والقصور والحاجة الماسة والدائمة إلى كل شيء حتى وإن كان سرابا أو ترابا.. نظل نعتقد ونجعل الآخرين أيضا يعتقدون بأننا أولئك البشر الذين لا تنتهي مطالبهم ولا تسد حاجاتهم وإن حزنا حتى على ثروات ومتطلبات الدنيا.. ولا أدري ما سبب ابتلائنا طبعا بكامل رغبتنا بهذه الصفات السيئة المستحدثة التي لا تمت بأية صلة لتراثنا العريق ولا تاريخنا الأعرق.. والمضحك المبكي في آن واحد أن يصل بنا الأمر في ذلك إلى إطلاق الإيمان بديمومة حاجتنا إلى ما لم ندرك حتى ماهيته فليكن ما يكن وليكن شيئا مفترضا المهم أننا نريد… ونحتاج إلى… وينقصنا… وأتذكر أن مسئولا يمنيا حضر مرة مؤتمرا دوليا حول قضية تتعلق بالأسرة أو الأمومة الآمنة أو ما شابه ذلك وحين جاء دوره في الحديث الذي لم يسمع منه شيئا مكتفيا بالحضور التمثيلي قال: نحن في اليمن بحاجة ماسة إلى …. إلى …¿ بالمفتوح نحن بحاجة ماسة إلى كل الذي قلتوا عليه في المؤتمر وعلى الله يقع ما وقع!!!
ولعلي أخشى أن في الوضع السياسي المتأزم الذي نعيشه في الفترة الحالية للأسف الشديد ما يؤكöد هذا الرأي أو هذه النظرة إلى اليمن واليمنيين فالذي يدقق في المعتمل السياسي الراهن وأطرافه وفحواه ومحتواه يخرج بنتيجة مفادها أننا أبعد ما يكون عن مطلب واضح جلي يمكن بتحقيقه تجاوز هذه الأزمة المفتعلة التي تكبل ببلواها الوطن من أقصاه إلى أقصاه.. ترى ما الذي نريده بالفعل وما الذي يدور في بالنا في هذه الفترة الزمنية وعبر هذه الأحداث التي ندرك بالإجماع أنها تضر بالوطن والشعب وتعود بنا إلى حفر التأزم والأزمات التي ما نبرح نحاول التخلص منها طيلة عقود من الزمن حتى نتهاوى إلى قعرها دون أسباب واضحة ودواع مقنعة!! لماذا لم نطرح على أنفسنا هذا التساؤل الجاد ونحاول أن نجيب عليه ما استطعنا¿!
ربما نجمع على أننا نطمع في التغيير والتبديل والانتقال من حال إلى غيره.. وسنتفق على أنه لا بأس ولا قلق في أمر كهذا.. وإن أيا لا يطمح في التغيير والتبديل ومبارحة ذات الحال وذات الواقع هو بلا شك إنسان مزايد أو رجعي ومتخلöف أيضا.. ولكن ما الذي نريده¿ هل حقا نريد ثورة لحاجة ماسة أم لتقليد أعمى¿ وما نوع الثورة التي نحتاج إليها لو اتضح أننا بحاجة إلى ثورة¿ ثم ثورة على ماذا¿ على نظام حكم أم على مجتمع¿ على شكل أم على أسلوب¿ على كيفية أم على هيئة أو زي¿.. على ماذا فعلا نريد أن نثور¿ وهل بإمكاننا فعلا أن نثور من أجل ما نتشبث به من قيم وأهداف وقضايا يروöج لها أولئك “العتاولة” من السياسيين الذين يتلذذون الآن بالهش علينا بعصيهم العتيقة موجهين إيانا صوب الغرب والشرق وحيث أدركوا وتوقعوا هطول غيماتهم الدسمة دون النظر إلى ما يعنينا ويهمنا نحن¿
وإذا كنا بالفعل في حاجة إلى ثورة تغيير طامحة ومستقبلية ولدينا وجهات نظر ترمي صوب الانتقال والتبديل فإن أولئك “العتاولة” والديناصورات السياسية التي تعتسف الحدث مرتكبة الجرائم ومدعية العفة والنزاهة ومنظرة للشكليات الخرقاء لما يدعى بأنه ثورة,هي أول من يجب أن تستهدفهم أية ثورة فعلية ذات أفق فسيح وآمال عريضة لا أن يكونوا هم من يوجهون ويقودون رغبات التبديل واستشراف المستقبل.. خصوصا وأننا نعلم كل العلم إنهم يقفون وراء ما يشهده الوطن الآن من تكبيل وتعطيل وما يعانيه الشعب من معاناة اقتصادية ومن هواجس نفسية ومخاوف من كل شيء يحيط به وعلى رأس ذلك مستقبل الوطن ومصير أبنائه.. فأية ثورة وأي تغيير يحلم به أولئك صائدو الفرص ومهندسو الأزمات¿ وأي أحلام وردية يعنونها¿ لقد تحقق حتى الآن جزء لا بأس به مما يقصدونه من أحلام ولكنها لم تكن على الإطلاق وردية بل بدا ويبدو من يوم لآخر أنها تحولت إلى حمراء قانية بعد أن اصطبغت بلون الدماء المراقةö واختلطت برائحة البارود وجعلتهم يرقصون ويطربون لدوي الرصاص والانفجارات..
أهذه فعلا ما يسمونها ثورة¿! لا كانت الثورات ولا أدام ولا رحم الله الثوار إن كانوا على هذه الهيئة وبهذه الأخلاق والصفات.. ولا بارك الله فينا إن لم نفتح أعيننا ونفقه ما يجري من حولنا وإن لم نصن من كل شر ومكروه وطننا ومكتسباتنا التي لم تتحقق صدفة في ليلة وضحاها وإنما بكثير من الوقت ومزيد من العناء وإن لم نحافظ على ما تبقى فينا من شيم الإنسان اليمني الأصيل.. وإجمالا وإفصاحا لا بارك الله فينا حقا إن لم نثر على أنفسنا ونراجع حساباتنا مراجعة دقيقة خاضعة كل الخضوع للواقع ومسلöمة بالحقيقة.. ثم أخيرا يجب علينا أن ندرك أننا بحاجة ماسة للتغيير وللثورة إن صح التعبير نعم.. ولكنها الثورة على أنفسنا وعلى أفكارنا وسلب

قد يعجبك ايضا