اللغة الواصفة في المجموعة القصيصة «لون في الذاكرة»



علي أحمد عبده قاسم
أهداني الصديق القاص مسعد ناصر السلمي مجموعته القصصية التي مازالت أوراقا ولم تطبع في كتاب بعد والتي شاركت بمسابقة جائزة رئيس الجمهورية في محافظة إب وفازت بالجائزة في المحافظة وتحمل عنوان «لون في الذاكرة» وتضم المجموعة عشرين أقصوصة قصيرة والذي يلفت الإنتباه فيها روعة الوصف واستقصاء التفاصيل للمكان والشخصيات والذات بلغة شعرية رائعة وعميقة تبشر بقاص متمكن إن استمر على هذه الوتيرة الصادقة ولاقت التشجيع وقراءة الموهبة المستعدة للإنتاج والإبداع وفي هذه القراءة سوف أقرأ اللغة والوصف بجدلية مواربة للمتلقي وأقرأ أقصوصتين منها:
«1» من خلال القراءة نستطيع أن نلمح قدرة النص على شد لانتباه بلغة عالية ودقيقة ممزوجة بالعاطفة والصورة ففي أقصوصة «الرصيف الآخر» كانت البداية بهذه العبارات «وحدها قراءاتي من قادتني للتعرف على ملامحها أتفرس إليها بظمأ شديد ذاكرتي تجمع أنفاسها للتأكد من كنهها…!إنها هي!!».
مما سبق يلحظ أن النص يسرد الزمن الماضي «قادتني تجمع هي» وكانت «نقطة» «كنهها» تعبيرا الشوق واللهفة التي مازالت تائهة ويأتي الهدوء من «إنها هي» ليريح المتلقي فكانت بداية موفقة كثيرا للجذب وشد انتباه القارئ للمتابعة خاصة وأن لغة السرد ذاتية تعتمد على التصوير «وحدها قراءاتي من قادتني للتعرف على ملامحها «أتفرس إليها بظمأ شديد» «ذاكرتي تجمع أنفاسها» هذه التعبيرات التصويرية السردية تنم عن تجذر الذكرى في الأعماق وترسم عالما مثالا في الشخصية .
«2» في القصة إبراز للمكان الضيق المتمثل بالرصيف فكانت صورته في غاية الجمال والرحابة وغاية القذارة فكان الرصيف المكان المتجذر بالذات والآخذ مساحة واسعة من الأثر العميق «تقابلني على الرصيف الآخر الرصيف يتمتع بنعمة وقوفها عليه ليتني الرصيف بوعاثته ودمامته وكآبته لألتهمها بأشيائها المتناقضة ومن الملاحظ أن جمال المكان المتمثل بالرصيف فيه تناقض فهو جميل ورائع بوجودها وهي الشيء الصغير الذي يشغل حيزا منه لكنه ما حوله متسخ وقذر إن اللغة أوضحت التفاصيل باستقصاء ودقة.
«3» المكان الواسع المتمثل بالشارع والجولة كان في غاية الفوضوية والازدحام «هممت بالطيران إلى الجزء المقابل لاحتضنها لتقبيلها لاحتوائها لكني لم استطع ذلك! «الجولة» تنعم بالإشعاعات الملونة المتمتعة بشوق كبير من كل سائقي السيارات «المركبات» المنتظرة بشكل عشوائي يثير الاشمئزاز والحيرة على الرغم من وجود رجل يرتب السير بدفتر صغير يحمل لونا مختلفا عن هويته التي خلق لها عفا عليه الزمن من كثرة شخابيط الأقلام المتضورة جوعا لالتهام الأرقام المشاغبة» إن اللغة الذاتية رسم صورة للفوضى الجولة تنعم بالإشعاعات الملونة من السيارات المنتظرة بشكل عشوائي دفتر صغير يحمل لونا مختلفا عفا عليه الزمن من كثرة شخابيط الأرقام المشاغبة وبذلك استطاعت اللغة أن ترسم لوحة للمكان بتفاصيل دقيقة ليجعل من المتلقي شاردا في هذه الصورة الكلية الفوضوية ويرسم صورة للشوق الجارف في الذات للتعرف على حقيقتها «حاولت العبور… قدماي تسمرتا عن الحركة هروبا من العجلات المنزلقة للشاحنات والمركبات المتطايرة فزعا للتخلص من الانتظار الذي تسيده الملل والدهشة».
ومن خلال ما سبق صورة الفوضى للمكان والاضطراب والعشوائية ليخلق تناقضا سرديا ما بين حيز صغير متمثلا بالخطاب «هي» والتي تحتل جزءا من الرصيف الجميل بها والقذر بغيرها والفوضوي بدونها لترسم الحدث الرئيس في التلهف لمشاهدتها «قلبي لا يزال يخفق بشدة خوفا من اختفائها من مكانها كتلك الدراجات المميتهأغمضت عيني وهرولت إلى المنتصف دونما إدراك لما قمت به لم أستمع إلا صراخ العجلات عن اقترابها مني».
«4» وإذا كان المكان متجذرا في الذاكرة فإن اللغة تحاول أن ترسم صورة من التناقض بالتبدل والتغير بوصف السرد يعكس على المتلقي صورة من الجدلية « لا شيء معي سوى أعضاء جسدي التي تتحرك بلاوعي نفحة الشعاع الأخضر أصابت المنتصف الآخر من الشارع اللون الذي تلاحقني حماقاته في هذا الوقت النشاز… كرهت كل شيء يحمل هويته هذا اللون بما في ذلك قلمي رأيته بعيدا.. أطلقت العنان لزفرت كئيبة مدة أعوام نعمت الجولة بردائها الأخضر استسلمت لها اشلائي وسمرت نظري في مفاتنها المتراقصة المتلحفة برداء من اللا شيء».
مما سبق يمكن أن اللغة توارب كثيرا لتجعل من المتلقي جائرا في اكتشاف الخطاب فتارة قد يقول إن الخطاب موجه للرصيف الذي يستريح الفرد فيه لأنه مشعب وأخضر وضليل ببعض الأشجار.
بوصف عبارات السرد تقول «تقابلني على الرصيف تتمايل من حرارة الشمس الملتهبة جزءا من الرصيف ينعم بوقوفها عليه والجزء الآخر يستمتع بظل جسدها».
لذلك كانت قوة الأقصوصة في محاولة إبراز التناقض والجدلية بين الماضي والحاضر بين الإنس

قد يعجبك ايضا