هادي.. خيار الانتقال الهادئ

توفيق الحرازي

مقال


 - توفيق الحرازي
توفيق الحرازي –

مقال

مثلما لمع نجمه في لحظة خانقة- إبان محنة94م- يقفز اليوم إلى سدة الرئاسة في ذروة الاختناق.. الرئيس عبدربه منصور هادي- رجل اللحظات الصعبة والمواقف الحرجة!
إنه كاريزما إنقاذية تمتلك القدرة على تبديد المخاوف.. يتوارى عن الأنظار بلا ضجيج ويظهر في التوقيت المناسب ليشعرك بالأمان.
ثمة مواصفات استثنائية جعلت منه اليوم شوكة الميزان وخيار شعب منهك يبحث عن قشة غريق عن شاطئ يلتقط فيه أنفاسه- بعد سباحة هائجة أفقدته الصواب!
طيلة شهور المحنة حافظ هادي على تماسكه مرابطا في موقعه لم تلöن عزيمته أو تهزه عاصفة حتى وهو يتابع خريف الأنظمة وربيع التغيير بصرف النظر إن كنا مع أو ضد.. خرج بعض قادة جيش ورجالات دولة مؤكد أن النظام تأثر كثيرا بخروجهم لكنهم لم يحسموا المعركة لطرف بقدر ما صنعوا أزمة ووصلوا لشراكة.. لم يصلوا إلى نهاية تونسية او مصرية او ليبية حاسمة كما توقع كثيرون.. وحده عبدربه كان بإمكانه الحسم.. كان بمقدوره أن يختطف اللحظة ويقتنص الفرصة ليقفز إلى الضفة الأخرى لكنه واجه العاصفة برباطة جأش.. لم يقفز على واقعه.. بل قرأ المرحلة بعين ثالثة.. قارن وضع اليمن بدول الربيع ليجد اختلافا جذريا.. ادرك ان ثمة تحديات داخلية وخارجية عصية على التجاوز انقسم الجيش والشعب دولة على مشارف الانهيار خرج السلاح بقوة وتعقد الموقف.. فكان لزاما عليه أن يتموضع في المكان الملائم.
من سوء حظه- وربما من حسن طالعه- أن وقع بين ساحتين متصارعتين تحيطان به من الجانبين تتجاذبانه بقوة.. مثله يعرف جيدا أين يتموضع في ظروف كهذه.. لا يحتاج لموجهات تحدد طريقه.. أدرك مبكرا أن المحارب النبيل لا يترك جواده ليفر من المعركة.. لكنه في ذات الوقت لا يتحدى التيار الجارف ويركب رأسه يعلم أن ثمة إصلاحات تلزم اليمن للوصول إلى التغيير بالتي هي أحسن وبأقل التكاليف.. لهذا حرص على الإمساك بالعصا من المنتصف.. من ناحية- حافظ على مهابة الشرعية الدستورية والوفاء لرئيس منحه القوة وخالطه في السراء والضراء لربع قرن أيا كانت أخطاؤه.. ومن ناحية أخرى لم يدفن رأسه في الرمال.. لم يصم أذنيه أمام كل هذا الضجيج الصاخب والمتغيرات المحيطة.. فأرجع البصر ثم أرجع البصر كرتين.. تقارب وتباعد.. هادن وناور.. حارب وحاور.. تارة بمرونة- وتارة بخشونة.. ليفرض تنازلات على الجميع.. انتهز المبادرة الخليجية والقرارات الأممية المتوازنة ليقف من كل الأطراف على مسافة واحدة ويصنع خروجا آمنا لا مغلوب فيه ولا منتصر.. حقق من بنود المبادرة ومهام اللجنة العسكرية ما أمكن تحقيقه في ظروف كهذه تاركا متنصليها في مواجهة حرج دولي بدلا عن المواجهة ومفضلا تأجيل ما تبقى لحين امتلاكه شرعية شعبية تمنحه حق الحسم.
وهاهو اليوم يمتلكها بامتياز فضل انتزاع إجماع- بدلا عن انتزاع سلطة.. ستة ملايين صوت هي رقم ضخم ونتيجة حاسمة- بل قاصمة في حساب الصراعات والانقسامات المتباهية بوزنها.. بالتأكيد لم تكن أصوات الساحتين المتصارعتين فحسب بل هي الأكثرية الصامتة خرجت عن بكرة أبيها لتقول كلمتها أخيرا.. أرقامها تعادل كفة الأطراف جميعا بكل قواعدهم.. منحت هادي أغلبية يحتاجها كثيرا لتسدل ستار المحنة وتعلن نهاية فصولها المأساوية… لقد أرادته رئيسا مطلق الشعبية ليكون كامل الصلاحيات.. فمرحلة كهذه يلزمها رئيس محمي بشعب ليمتلك قراره ويصلح ما أفسدته المحنة يحافظ على التوازن ويلبي طموحات التغيير بهدوء تغيير للجميع وبالجميع ومع الجميع.
ها نحن بفضل إدارته العقلانية دشنت ثورة التداول.. في حفل مهيب.. ودشن اليمن زمن التدوير الرئاسي ليصبح لدينا رئيس جديد ورئيس سابق بأقل المصائب!
أخيرا شاهدنا لأول مرة في التاريخ رئيسين يمنيين في قصر واحد وحفل واحد يتبادلان عهدة القيادة ويؤديان أول دور استلام وتسليم من رئيس لرئيس أخيرا تقاربت رؤى اليمنيين حول من يحكمهم تقاطعت تضحيات “الثورة الشبابية” مع صلابة “الشرعية الدستورية”- لتلتقي الساحتان في صندوق انتخاب- أخيرا وأخيرا- عرف الشعب طريقه!
يا ألله.. كم من الوقت احتاجه اليمنيون حتى يصلوا لهذه اللحظة التاريخية!! وكم من الخسائر والجروح والدمار والدموع يلزمهم ليستعيدوا لحظة وفاق!! هل كانت مستحيلة حتى ندفع كل هذه الفاتورة المكلفة¿
علينا تناسي الماضي بكل آلامه- صحيح- فليس أسوأ من اليمنيين حين يتذكرون جراحاتهم ويفتشون في أوراق الماضي سرعان ما تقودهم للثأر.. لكن علينا بالمقابل- أن لا نفرط في نسيانه كي لا نندفع لتكراره على حين غöرة!! علينا أن نفرد مساحة كافية في قرص الذاكرة- الشخصية والجمعية- لأرشفة ما جرى من باب العبرة وتقريع النفس!
فاليوم.. ليست المرحلة مرحلة محاسبة طرف ولا بعضن

قد يعجبك ايضا